قوله: ﴿ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الخ شروع في بيان الحقوق الواجبة على العباد، وهي قسمان: متعلق بالخالق وهو قوله: ﴿ قَوَّامِينَ للَّهِ ﴾ وبالمخلوق وهو قوله: ﴿ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ﴾، وقد تقدمت هذه الآية في النساء، وكررها اعتناء بشأنها، فإن مقام القيام بحق الله وحق عباده عظيم، وهو حقيقة التوفيق، فليس كل من آمن قام بالحقين، وقوله قوامين خبر لكونوا، وشهداء خبر ثان. قوله: (بحقوقه) أي الخاصة به، كالصلاة والصوم والحج وغير ذلك. قوله: ﴿ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ﴾ أي فلا تشهدوا بخلاف الواقع، بل بما في نفس الأمر، وهو المراد بقوله: (بالعدل). قوله: (يحملنكم) هو بمعنى ﴿ يَجْرِمَنَّكُمْ ﴾ ومن ثم عداه بعلى، ويجوز أن يفسر بيكسبنكم وهما متقاربان. قوله: ﴿ شَنَآنُ ﴾ بفتح النون وسكونها سبعيتان. قوله: (أي الكفار) أشار إلى أنها نزلت في قريش لما صدوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، ولكن العبرة بعموم اللفظ. قوله: ﴿ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ﴾ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بعلى، أي على عدم العدل، كنقض العهد، وإيذاء من أسلم منهم. قوله: (فتنالوا منهم) أي مقصودهم من القتل وأخذ المال. قوله: (في العدو والولي) أي فسووا بين المحب والمبغض في العدل، ولا تؤثروا المحب. قوله: ﴿ ٱعْدِلُواْ ﴾ تصريح بما علم من النهي عن ترك العدل، اعتناء بشأن العدل. قوله: (أي العدل) أي المأخوذ من قوله: ﴿ ٱعْدِلُواْ ﴾ فإن الضمير لا بد أن يرجع لمذكور، ولو ضمناً كما هنا. قوله: ﴿ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ أي أقرب ما يدل على التقوى لأنها في القلب، والعدل أكبر دليل عليها، فعند القدرة يظهر الحال، فمن ظهر العدل على يديه، كان دليلاً على تقواه، ومن لا فلا، ومنه ما ورد: الظلم كمين في النفس، القوة تظهره، والعجز يخفيه. قوله: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ أي امتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ فيه وعد ووعيد، وبين الوعد بقوله: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، وبين الوعيد بقوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ الخ. قوله: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ تفصيل لما أجمل في قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ والذين مفعول أول لوعد، وقدر المفسر المفعول الثاني بقوله: (وعداً حسناً) أي موعوداً، فأطلق المصدر، وأراد اسم المفعول. وقوله: (لهم مغفرة وأجرٌ عظيم) جملة مستأنفة بيان للموعود به الحسن. قوله: (الجنة) تفسير للأجر العظيم، فيكون عطف الأجر العظيم على المغفرة من عطف المسبب على السبب. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ مبتدأ، و ﴿ أُوْلَـۤئِكَ ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿ أَصْحَابُ ﴾ خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول، والجملة مستأنفة لبيان وعيد الكفار، ولم يقل في جانب الكفار لهم عذاب الجحيم مثلاً قطعاً لرجائهم، لأن صاحب الشيء لا ينفك عنه.


الصفحة التالية
Icon