قوله: ﴿ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ ﴾ بيان لقسوة قلوبهم. قوله: (تركوا) أشار بذلك إلى أن المراد بالنسيان، الترك من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم. قوله: (خيانة) أشار بذلك إلى أن خائنة بمعنى خيانة، فالتاء للتأنيث بدليل القراءة الأخرى خيانة. قوله: (وهذا) أي الأمر بالعفو والصفح، منسوخ إن أريد مع بقائهم على الكفر، وأما إن أريد إن تابوا فلا نسخ. قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ ﴾ شروع في بيان قبائح النصارى إثر بيان قبائح اليهود، والحكمة في قوله قالوا، ولم يقل ومن النصارى، أن هذه التسمية واقعة منهم لأنفسهم، ولم يسمهم الله تعالى بذلك، والجار والمجرور متعلق بأخذنا، والأصل وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم وهو الأحسن، ولذلك مشى عليه المفسر، وقدم الجار والمجرور على قوله: ﴿ مِيثَاقَهُمْ ﴾ هروباً من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهو غير جائز إلا مواضع ليس هذا منها، ونصارى نسبة للنصر، لأنهم يزعمون أنهم أنصار الله، ومفرده نصران ونصرانة، ولكن ياء النسب لا تفارقه، وقيل نسبة لقرية اسمها نصرة، فيكون مفرده نصرى، ثم أطلق على كل من تعبد بهذا الدين. قوله: ﴿ مِيثَاقَهُمْ ﴾ أي عهدهم المؤكد. قوله: ﴿ فَنَسُواْ حَظّاً ﴾ أي تركوه. قوله: (من الإيمان) أي بمحمد وبجميع الأنبياء، وقوله: (وغيره) أي غير الإيمان كبشارة عيسى بمجيء محمد بعده رسولاً. قوله: (ونقضوا الميثاق) أي تكذيب الأنبياء، وتحريف ما في الإنجيل، وهذا مرتب على قوله: ﴿ فَنَسُواْ حَظّاً ﴾ وكذا قوله: ﴿ فَأَغْرَيْنَا ﴾ وهو من غرا بالشيء إذا لصق به، يقال غروت الجلد ألصقته بالغراء، وهو كناية عن إيقاع العداوة بينهم، والتعبير بالإغراء أبلغ كأن العداوة لاصقة بهم كالغراء اللاصق بالجلد. قوله: ﴿ بَيْنَهُمُ ﴾ متعلق بأغرينا والضمير عائد على اليهود والنصارى، أي ألقينا العداوة بين اليهود والنصارى، فكل من الفرقتين تلعن الأخرى، وقيل الضمير عائد على النصارى فقط باعتبار فرقهم، لأنهم ثلاث فرق: الملكانية واليعقوبية والنسطورية فكل فرقة تلعن الأخرى، وإنما لم يظهروا ذلك بين المسلمين، خوفاً من الشماتة بهم فكل فرقة تكفر الأخرى، أي في الدنيا وفي الآخرة﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾[الأعراف: ٣٨].
قوله: ﴿ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ ﴾ (وفي الآخرة) أي بقوله يوم القيامة:﴿ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾[يس: ٥٩] الآية.


الصفحة التالية
Icon