قوله: ﴿ قَالَ رَجُلاَنِ ﴾ وصفهما بصفتين: الأولى قوله: ﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ ﴾ والثانية قوله: ﴿ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ﴾ وهو حسن، لأن فيه الوصف بالجملة بعد الوصف بالجار والمجرور، وهو من قبيل المفرد. قوله: (وهما يوشع) أي ابن نون وهو الذي نبئ بعد موسى، وقوله: (وكالب) بكسر اللام وفتحها ابن يوقنا. قوله: (بقية النقباء) أي الاثني عشر، وقوله: (فأفشوه) أي خبر الجبارين، وقوله: (فجبنوا) أي بنو إسرائيل. قوله: ﴿ ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ ﴾ أي امنعوهم من الخروج، لئلا يجدوا في أنفسهم قوة للحرب، بخلاف ما إذا دخلتم عليهم القرية بغتة، فإنهم لا يقدرون على الكر والفر. قوله: (بلا قلوب) أي قوية نافعة. قوله: (تيقنا بنصر الله) أي فإنهما مصدقان بذلك، لإخبار موسى لهما بذلك. قوله: ﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ ﴾ أي بعد ترتيب الأسباب، ولا تعتمدوا عليها فإنها غير مؤثرة. قوله: ﴿ مَّا دَامُواْ فِيهَا ﴾ مدة إقامتهم فيها. قوله: ﴿ أَنتَ وَرَبُّكَ ﴾ قيل إن الواو للعطف، وربك معطوف على الضمير المستتر في اذهب، وقد وجد الفاصل بالضمير المنفصل، قال ابن مالك: وَإنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلٍ   عَطَفْت فَافْصل بالضَّمِيرِ المُنْفَصِلِأي ليذهب ربك، واختلف في الرب، فقيل هو المولى جل وعلا، فإسنادهم الذهاب إليه على حقيقته، لأنهم كانوا يعتقدون التجسيم، وقيل المراد به هارون وسموه رباً لأنه كان أكبر من موسى بسنة، وهو الأحسن، ويدل عليه السياق، وقيل الواو للحال، وربك مبتدأ خبره محذوف تقديره يعينك. قوله: (لا أملك غيرهما) إن قلت: إن يوشع وكالب كانا في طاعته أيضاً. أجيب بأنه لم يثق بهما. قوله: ﴿ فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا ﴾ أي احكم لنا بما نستحقه، واحكم لهم بما يستحقونه، وكان الأمر كذلك، فصار التيه رحمة لموسى وهارون، وعذاباً على بني إسرائيل. قوله: ﴿ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ يصح أن يكون ظرفاً لقوله: ﴿ يَتِيهُونَ ﴾ وعلى هذا فهي محرمة عليهم أبداً لأنهم انقرضوا، وما دخلها إلا من لم يبلغ العشرين حيث الميثاق، وقيل ظرف لقوله: ﴿ مُحَرَّمَةٌ ﴾ وعلى هذا فالتحريم مقيد بتلك المدة، وقيل ظرف لهما معاً. قوله: (وهي تسعة فراسخ) أي عرضاً، وطولها ثلاثون فرسخاً. قوله: ﴿ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ أي وذلك أنه ندم على دعائه عليهم، فقيل له لا تأس فإنهم أحق بذلك. قوله: (ومات هارون وموسى في التيه) ومات موسى بعد هارون بسنة، وقيل إن موسى هو الذي ملك الشام، وكان يوشع على مقدمته، وعاش فيها زمناً طويلاً، ومات ولم يعلم له قبر، وهما طريقتان: قيل إن موسى وهارون توجها إلى البرية، فمات هارون فدفنه أخوه موسى، ثم رجع إلى قومه فقالوا قتله لحبنا إياه، فتضرع موسى إلى ربه، فأوحى الله إليه أن انطلق بهم إلى هارون فإني باعثه، فانطلق بهم إلى قبره، فناداه هارون فخرج من قبره بنفض رأسه، قال: أنا قتلتك؟ قال: لا، ولكنني مت، قال: فعد إلى مضجعك. وروي أن موسى خرج ليقضي حاجته، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبراً لم ير شيئاً أحسن منه، ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة، فقال لهم: يا ملائكة الله لِمَ تحفرون هذا القبر؟ فقالوا: لعبد كريم على ربه، فقال: إن هذا العبد لمن الله بمنزلة ما رأيت كاليوم أحسن منه مضجعاً، فقالت الملائكة: يا صفي الله أتحب ان يكون لك؟ قال: وددت، قالوا فانزل واضطجع فيه وتوجّه إلى ربك، قال: فنزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربه، ثم تنفس أسهل نفس، فقبض الله تعالى روحه، ثم سوت عليه الملائكة التراب، وقيل إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمّها فقبض الله روحه، ثم سوت عليه الملائكة التراب، وقيل إنه روي أن ملك الموت جاءه وقال له: أجب أمر ربك، فلطم موسى علين ملك الموت ففقأها، فقال ملك الموت: يا رب إنك أ { سلتني إلى عبد لا يرد الموت وفقد فقأ عيني، قال فرد الله تعالى عينه وقال له ارجع إلى عبدي فقل له: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة، فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من شعره فإنك تعيش بكل شعرة سنة، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، قال: رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطور عند الكثيب الحمر. ورواية فقء عين ملك الموت متكلم فيها، وعلى فرض ورودها، ففقء عين الملك من خصوصيات موسى، لأن الملك لا تحكم عليه الصورة، ولا يقال إن هذا جناية حرام، لأننا نقول إن فقأ عين الصورة المتشكل فيها، لا الصورة الأصلية، وقصده بتلك الفعلة نهيه عن أن يأتي للمؤمن في صورة فظيعة، كما قرره أشياخنا قوله: (وكان رحمة لهما) أي وكذا يوشع وكالب، وذلك كنار إبراهيم، فإنها جعلت عليه برداً وسلاماً. قوله: (وعذاباً لأولئك) أي من حيث السير، وقد أنعم الله عليهم في التيه بنعم عظيمة، منها أنهم شكوا لموسى حالهم من الجوع والعري، فدعا الله تعالى فأنزل عليهم المن والسلوى، وأعطاهم من الكسوة ما يكفيهم كل واحد على مقدار هيئته، وشكوا له العطش، فأتى موسى بحجر من جبل الطور، فكان يضربه بعصاه فيخرج منه اثنتا عشرة عيناً، وشكوا الحر، فأرسل الله عليهم الغمام يظلمهم، وكان يطلع عمود من نور يضيء لهم بالليل ولا تطول شعورهم، وإذا ولد لهم مولود كان عليهم الغمام يظلهم، وكان يطلع عمود من نور يضيء لهم بالليل ولا تطول شعورهم، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر، يطول بطوله ويتسع بقدره. قوله: (أن يدنيه) أي يقربه من الأرض المباركة، أي يدفن بقربها لكونها مطهرة مباركة، ويؤخذ من ذلك، أن الإنسان ينبغي له أن يتحرى الدفن في الأرض المباركة بقرب نبي أو ولي، وإنما لم يسأل الدفن فيها خوفاً من أن يعرف قبره فيفتتن به الناس. قوله: (بعد الأربعين) أي مدة التيه. قوله: (بمن بقي) أي وهم أولادهم الذين لم يبلغوا العشرين سنة حيث أخذ الميثاق. قوله: (وقاتلهم) روي أن الله نبأ يوشع بعد موت موسى، وأخبرهم أن الله قد أمرهم بقتال الجبابرة فصدقوه وبايعوه، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا ومعه تابوق الميثاق، وأحاط بمدينة أريحا ستة أِهر، وفتحوها في الشهر السابع ودخلوها، فقاتلوا الجبارين وهزموهم وهجموا عليهم يقتلونهم، وكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها، وكان القتال يوم الجمعة، فبقيت منهم بقية، وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت، فقال: الههم أردد الشمس علي، وقال للشمس: إنك في طاعة الله، وأنا في طاعة الله، فسأل الشمس أن تقف، والقمر أن يقيم، حتى ينتقم من أعداء الله قبل دخول السبت، فردت عليه الشمس وزيد في النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين، ثم تتبع ملوك الشام فقتل منهم إحدى وثلاثين ملكاً، حتى غلب على جميع أرض الشام، وصارت الشام كلها لبني إسرائيل، وفرق عمالة في نواحيها، ثم مات يوشع ودفن بجبل إبراهيم، وكان عمره مائة وستاً وعشرين سنة، وتدبيره أمر بني إسرائيل بعد موت موسى سبعاً وعشرين سنة. قوله: (لم تحبس على بشر) أي قبل يوشع، وإلا فقد حبست لنبينا مرتين يوم الخندق، حين شغل هو وأصحابه عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فردها الله عليه حتى صلى العصر، وصبيحة ليلة الإسراء حين انتظر قدوم العير، وزيد في رواية مرة لعلي بن أبي طالب حين كان النبي نائماً على فخذه، ولم يكن صلى العصر، فلما استيقظ حتى غربت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم علياً في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس حتى يصلي العصر "قوله: (ليالي سار) أي أيام سيره، أي توجهه لقتالهم.


الصفحة التالية
Icon