قوله: ﴿ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ ﴾ جمهور القراء على الرفع على الابتداء، ولا يصح النصب على الاشتغال، لأن ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملاً، وهذه الفاء تشبه فاء الجزاء، وصرح بالسارقة لكون السرقة معهودة منهن أيضاً، وقدم سبحانه وتعالى السارق على السارقة هنا، وقدم الزانية على الزاني في سورة النور، لأن الرجال في السرقة أقوى من النساء، والزنا من النساء أقوى من الرجال. قوله: (أل فيهما موصولة) أي وصلتها الصفة الصريحة، أي الذي سرق والتي سرقت. قوله: (مبتدأ) أي وهو مرفوع بضمة ظاهرة، لأن إعرابهما ظهر فيما بعدها. قوله: (دخلت الفاء في خبره وهو) ﴿ فَٱقْطَعُوۤاْ ﴾ أي فجملة ﴿ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا ﴾ خبر المبتدأ، ولا يضر كونه جملة طلبية على المعتمد، وقيل الخبر محذوف وتقديره مما يتلى عليكم حكمهما، وما بعد الفاء تفصيل له. قوله: (ربع دينار) أي أو ثلاثة دراهم شرعية، أو مقوم بهما، ويشترط في القطع إخراجه من حرز مثله، غير مأذون له في دخوله، ويثبت القطع ببينة أو بإقراره طائعاً، فإن أقر ثم رجع لزمه المال دون القطع، فإن سرق ولم تثبت عليه السرقة، وجب عليه الستر على نفسه ورد المال والتوبة منه، وكذا كل معصية، فمن الجهل قول بعض من يدعي التصوف: لو اطلعتم علي لرجمتموني، وبالجملة من ستر على نفسه ستره الله. قوله: (نصب على المصدر) أي والعامل محذوف تقديره جازاه الله جزاء، ويصح أن يكون مفعولاً لأجله، أي اقطعوا أيديهما لأجل الجزاء، وقوله: ﴿ بِمَا كَسَبَا ﴾ الباء سببية أي بسبب كسبهما، وقوله: ﴿ نَكَالاً ﴾ علة للعلة فالعامل فيه جزاء. قوله: (غالب على أمره) أي فلا معقب لحكمه، لأن القاهر على كل شيء. قوله: (حكيم) أي يضع الشيء في محله، فلا يحكم بقطع يده ظلماً لأن السارق لما خان هان، ولذا أورد بعض اليهود على القاضي عبد الوهاب البغدادي سؤالاً حيث: يَدٌ بِخَمْس مئين عَسْجَدٍ وديت مَا بَالَها قطعَت فِي رُبْعِ دِينارفأجابه رضي الله عنه بقوله: عِزُّ الأَمَانَةُ أَغْلاَهَا وَأَرْخَصَهَا ذلُّ الخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ البَارِيقوله: ﴿ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ ﴾ أي من بعد تعديه وأخذه المال وظلمه للناس. قوله: (في التعبير بهذا) أي قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ﴾ دون أن يقول فلا تحدوه. قوله: (وعليه الشافعي) أي وعند مالك فلا ينفع عفوه عنه مطلقاً قبل الرفع أو بعده، حيث ثبتت السرقة ببينة أو إقرار، ولم يرجع بل يقطع لأنه حق الله، وقوله: (قبل الرفع) أي وأما بعده فلا بد من قطعه اتفاقاً. قوله: ﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ﴾ أي إن لم يتب فالميت المصر على الذنب تحت المشيئة خلافاً للمعتزلة. قوله: (ومن التعذيب والمغفرة) أي من الشيء المقدور عليه.