قوله: ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ ﴾ كلام مستأنف مسوق لبيان فضل التوراة، وأنها كتاب عظيم كله هدى ونور. قوله: ﴿ فِيهَا هُدًى ﴾ أي لمن أراد الله هدايته، وأنا من أراد الله شقاوته فلا تنفعه التوراة ولا غيرها، قال البوصيري: وإذا ضلت العقول على علـ ـم فماذا تقوله النصحاءقوله: ﴿ وَنُورٌ ﴾ في الكلام استعارة مصرحة، حيث شبهت الأحكام بالنور بجامع الاهتداء في كل، واستعير اسم المشبه به للمشبه، وحيث أريد بالنور الأحكام، فالمراد بالهدى التوحيد، فالعطف مغاير. قوله: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ﴾ كلام مستأنف لبيان المنتفع بالتوراة، وهم الأنبياء والعلماء والمراد بالأنبياء ما يشمل المرسلين، فحكم المرسلين ظاهر، وحكم الأنبياء بالقضاء لا على أنها شرع لهم. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ ﴾ أي كمل إسلامهم، وهو وصف كاشف، لأن كل نبي منقاد لله، وحكمة الوصف بذلك التعريض باليهود، حيث افتخروا بأصولهم ولم يسلموا، بل حرفوا التوراة وبدلوها. قوله: ﴿ لِلَّذِينَ هَادُواْ ﴾ اللام للاختصاص، أي أحكام التوراة مختصة بالذين هادوا، أعم من أن تكون أحكاماً لهم أو عليهم. قوله: ﴿ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ ﴾ معطوف على ﴿ ٱلنَّبِيُّونَ ﴾.
قوله: (العلماء منهم) وقيل الزهاد، وقيل الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره، وهذا لا ينافي كلام المفسر، بل يقال سموا ربانيين لكونهم منسوبين للرب لزهدهم ما سواه، أو للتربية لكونهم يربون الخلق. قوله: ﴿ وَٱلأَحْبَارُ ﴾ جمع حبر بالفتح والكسر، وأما المداد فبالكسر لا غير من التحبير وهو التحسين، يقال حبره إذا حسنه، سموا بذلك لأنهم يزينون الكلام وبحسنونه، وهو عطف على النبيون أيضاً، وقد وسط بين المعطوفات الذين هم الحكام بالمحكوم لهم، وذكر الأحبار بعد الربانيين من ذكر العام بعد الخاص، لأن الحبر العالم كان ربانياً أو لا. قوله: (أي بسبب الذي) أشار بذلك إلى أن الباء سببية، وما اسم موصول بمعنى الذي، والعائد محذوف أي بسبب الذي استحفظوه، وفاعل الحفظ هو الله أي بسبب الشرع الذي أمرهم الله بحفظه، وقوله: ﴿ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾ بيان لما فالأنبياء والعلماء أمناء الله على خلقه، يحكمون بين الناس بأحكام الله التي عملها الله لهم، ومن لم يحكم بذلك فقد خان الله في أمانته وكذب على ربه، فحينئذٍ يستحق الوعيد. قوله: ﴿ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ ﴾ تفريع على قوله: ﴿ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ ﴾ والخطاب لعلماء اليهود الذين في زمنه صلى الله عليه وسلم. قوله: (وغيرهما) أي كقوله تعالى:﴿ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ ﴾[المائدة: ٤٥] فغيروها وقالوا ما لم يكن القاتل شريفاً وإلا فلا يقتل بالوضيع. قوله: ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ نزلت في بتي قريظة وبني النضير، فكان الواحد من بني النضير إذا قتل واحداً من قريظة أدى إليهم نصف الدية، وإذا قتل الواحد من قريظة واحداً من بني النضير أدى إليهم الدية كاملة، فغيروا حكم الله الذي أنزله في التوراة، وكل آية وردت في الكفار تجرّ بذيلها على عصاة المؤمنين.