قوله: ﴿ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ ﴾ الواو حرف عطف، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف على الكتاب، التقدير وأنزلنا إليك الكتاب والحكم والفعل وإن كان أمراً لفظاً، إلا أنه في معنى المضارع ليفيد استمرار الحكم، وليس هذا مكرراً مع قوله فاحكم بينهم بما أنزل الله، لأن ما تقدم في شأن رجم المحصنين، وما هنا في شأن الدماء والديات، لأن سبب نزولها، أن بني النضير أعطوهم مائة وأربعين وسقاً، فقال لهم رسول الله: " أنا أحكم أن آدم القرظي كدم النضري، ليس لأحدهم فضل على الآخر في دم ولا عقل ولا جراحة "، فغضب بنو النضير وقالوا لا نرضى بحكمك فإنك تريد صغارنا. قوله: ﴿ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ ﴾ سبب نزولها، أن كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وساداتهم، وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك، فاقض لنا عليهم نؤمن بك ونصدقك، فأبى رسول الله، فنزلت الآية، وقوله: ﴿ أَن يَفْتِنُوكَ ﴾ مفعول لأجله على تقدير لام العلة ولا النافية، وهو ما مشى عليه المفسر، ويحتمل أنه بدل اشتمال من الهاء في احذرهم، والمعنى احذرهم فتنتهم، والخطاب له صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره لعصمته من الفتنة. قوله: ﴿ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾ أي لا بجميعها، فعقابهم في الدنيا بالقتل والسبي والجلاء، إنما هو ببعض ذنوبهم، وأما في الآخرة فيجازيهم على الجميع كما قال المفسر، لأن العذاب المنقضي وإن طال لا يكفي جزاء لذنوب الكافر جميعها، كما أن نعيم الدنيا وإن كثر ليس جزاء لأعمال المؤمن الصالحة، وإن عذب في الدنيا بمرض أو غيره، فهو جزاء لأعمال المؤمن السيئة، والنعيم في الدنيا للكافر قد يكون جزاء لما عمل من الصالحات كالصدقات مثلاً. قوله: (ومنها التولي) أي الإعراض عن حكمه صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ أي خارجون عن دائرة الحق، وتقدم أن بعث النار من كل ألف واحد ناج، والباقي خارج عن حدود الله، والمعنى تسل يا محمد فإن الغالب في الناس الفسق، فلا خصوصية لليهود بذلك. قوله: ﴿ أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أيتولون عند فيبتغون حكم الجاهلية، فحكم مفعول ليبغون. قوله: (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (استفهام إنكاري) أي فهو بمعنى النفي، والمعنى لا يبغون حكم الجاهلية منك على سبيل الظفر به لعصمتك. قوله: (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، والآية كالدليل لما قبلها. قوله: (عند قوم) أشار بذلك إلى أن اللام بمعنى عند. قوله: ﴿ بِهِ ﴾ قدره إشارة إلى أن مفعول يوقنون محذوف، والضمير عائد على حكم الله. قوله: ﴿ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ﴾ الخ، النهي لكل من أظهر الإيمان وإن كان في الباطن خالياً من الإيمان، وسبب نزولها" أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وعبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين اختصما فقال عبادة إن لي أولياء من اليهود كثيراً عددهم، شديدة شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولاية اليهود ولا مولى لي إلا الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي إني لا أبرأ من ولاية اليهود، فإني أخاف الدوائر ولا بد لي منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت هو لك دونه "، فقال إذاً أقبل "فنزلت، واتخذ بنصب مفعولين: اليهود والنصارى مفعول أول، وأولياء مفعول ثان. قوله: ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾ جملة مستأنفة، والمعنى بعض كل فريق أولياء البعض الآخر من ذلك الفريق، لأن بين اليهود والنصارى العداوة الكبرى. قوله: ﴿ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ أي لأنه لا يوالي أحد أحداً إلا وهو عنه راض، فإذا رضي عنه وعن جينه صار من أهل ملته، وأما معاملتهم مع كراهتهم فلا ضرر في ذلك. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ علة لكون من يواليهم منهم. قوله: (كعبد الله بن أبي) أي وأصحابه. قوله: (معتذرين عنها) أي الموالاة.