قوله: ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم ﴾ معطوف على نعمتي مسلط عليه اذكروا الأول أي اذكروا نعمتي وتفضيلي إياكم ووقت إنجائي لكم، والمقصود ذكر الإنجاء أو معطوف على جملة اذكروا، فقول المفسر اذكروا ليس تقديراً للعامل الأول بل هو عامل مماثلة، وهكذا يقال فيما يأتي ما فيه إذ من جميع ما يتعلق ببني إسرائيل. قوله: (أي آبائكم) ويصح أن النجاة لهم إذا لو غرقت أصولهم ما وجدوا، والنجاة مأخوذة من النجوة وهي الأرض المرتفعة، والوضع عليها ليسلم من الآفات يسمى إنجاء لهم ثم أطلق على كل خلوص من ضيق إلى سعة، فالمعنى خلصناهم من الهلكات. قوله: (بما أنعم على آبائهم) أي وعدد عليهم نعماً عشرة نهايتها (وإذا استسقى). قوله: ﴿ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ لا يرد أن الآل لا يضاف إلا لذي شرف لأن فرعون ذو شرف دنيوي، والمراد أعوانه وكانوا يوم الغرق ألف ألف وسبعمائة ألف غير المتخلفين بمصر، وكانت الخيل الدهم سبعين ألفاً، وبنو إسرائيل كانوا ستمائة ألف وعشرين ألفاً وعند دخول يعقوب مصر كانوا سبعين نفساً ذكرواً وإناثاً، وبين موسى ويعقوب أربعمائة سنة، فكمل فيها ذلك العدد مع كثرة قتل الأطفال وموت الشيوخ، فسبحان الخلاق العظيم، وفرعون اسمه الوليد من مصعب بن الريان، وفرعون لقب له من الفرعنة وهي العتو والتمرد، ومدة ادعائه الألوهية أربعمائة سنة، وكان يأكل كل يوم فصيلاً، وكان لا يتغوط إلا كل أربعين يوماً مرة، وفرعون اسم لكل من ملك العمالقة، كما أن قيصر اسم لمن ملك الروم، وكسرى لمن ملك الفرس، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وتبع لمن ملك اليمن، وخافان لمن الترك. قوله: (يذيقونكم) أي على سبيل الدوام. قوله: ﴿ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ ﴾ اسم جامع لكل ما يعم النفس كالشر وهو ضد الخير، إن قلت إن العذاب شيء أجاب المفسر بأن المراد أشده. قوله: (بيان لما قبله) أي لبعض ما قبله فإنهم يعذبون بأنواع العذاب، فكانوا يخدمون أقوياء بني إسرائيل في قطع الحجر والحديد والبناء وضرب الطوب والنجارة وغير ذلك وكان نساؤهم يغزلن الكتاب لهم وينسجنه، وضعفائهم يضربون عليهم الجزية، وإنما قلنا لبعض ما قبله لأن ذبح الأولاد وما ذكر معه ليس هو عين أشد العذاب بل بعضه بدليل سورة إبراهيم فإنها بالعطف وهو يقتضي المغايرة. قوله: ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ ﴾ أصله يستحييون بياءين الأولى عين الكلمة والثانية لامها استثقلت الكسرة على الياء الأولى فحذفت فالتقى سكنان حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وقيل حذفت الياء الثانية تخفيفاً، وضمت الأولى لمناسبة الواو، فعلى الأولى وزنه يستفلون وعلى الثاني وزنه يستنفعون. قوله: (لقول بعض الكهنة) أي حين دعاهم ليقص عليهم ما رآه في النوم، وهو أن ناراً أقبلت من بين المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، فشق عليه ذلك ودعا الكهنة وسألهم عن ذلك فقالوا له ما ذكر. قوله: (أو الإنجاء) أي من حيث عدم الشكر عليه فصار الإنجاء بلاء، فالبلاء يطلق عليه الخير والشر، قال تعالى:﴿ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾[الأنبياء: ٣٥].
قوله: (ابتلاء) راجع للعذاب، وقوله أو إنعام راجع للإنجاء فهو لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ وَ ﴾ (اذكروا) ﴿ إِذْ فَرَقْنَا ﴾ هذا من جملة المعطوف على نعمتي أو على اذكروا، فالمقصود تعداد النعم عليهم وفرق من باب قتل ميز الشيء من الشيء، قال تعالى:﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ﴾[الإسراء: ١٠٦] أي ميزنا به الحق من الباطل. قوله: (فلقنا) الفلق والفرق بمعنى واحد، قال تعالى:﴿ فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ ﴾[الشعراء: ٦٣].
قوله: ﴿ ٱلْبَحْرَ ﴾ هو الماء الكثير عذباً أو ملحاً، لكن المراد هنا الملح، والمراد به بحر القلزم. قوله: ﴿ آلَ فِرْعَوْنَ ﴾ يطلق آل الرجل عليه وعلى آله. قال تعالى:﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ ﴾[الأحزاب: ٣٣] والمراد محمد وآله (ولقد كرمنا بني آدم) المراد آدم وبنوه. قوله: (إلى انطباق البحر) إشارة إلى أن المتعلق محذوف. قوله: (بألف ودونها) أي فهما قراءتان سبعيتان، فعلى الألف المواعدة من الله بإعطاء التوراة، ومن موسى رياضته الأربعين يوماً وإتيانه جبل الطور لأخذ التوراة وعلى عدمها فالأمر ظاهر.


الصفحة التالية
Icon