قوله: ﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ ﴾ أي بعضهم وهو فنحاص بن عازوراء، وإنما نسب القول لهم عموماً لرضاهم به ولم ينهوا عنه. قوله: (بتكذيبهم) الباء سببية. قوله: (بعد أن كانوا أكثر الناس مالاً) أي وأخصب أرضاً. قوله: (مقبوضة) أي ممسوكة عن بسط العطاء لنا. قوله: (كنوا به عن البخل) أي لأنه يلزم من قبض اليد عن الإعطاء للمستحقين البخل. قوله: (تعالى الله عن ذلك) أي تنزه سبحانه عن ما وصفوه من البخل، لأن البخل هو منع المستحق من حقه، وليس لأحد حق على الله تعالى، بل هو الكريم الحقيقي الذي عم عطاؤه والطائع والعاصي لا لغرض ولا لعوض. قوله: (دعاء) إما بالرفع خبر لمحذوف والتقدير هو دعاء، أي طلب من نفسه بنفسه غلول أيديهم، ويصح النصب على أنه مفعول لأجله، أي قال تعالى الدعاء عليهم. قوله: ﴿ وَلُعِنُواْ ﴾ معطوف على ﴿ غُلَّتْ ﴾ فهو في حين الدعاء، فسبب هذه المقالة صاروا أشقياء آيسين من رحمة الله، فلم يوفقوا لفعل خير بعد ذلك أبداً، وطردوا عن رحمة الله في الدنيا والآخرة. قوله: ﴿ بَلْ يَدَاهُ ﴾ إضراب إبطالي، ويداه مبتدأ، و ﴿ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ خبره، وجملة ينفق: إما خبر ثان أو استئناف بياني، وكيف اسم شرط، ويشاء فعل الشرط، ومفعوله محذوف تقديره الإنفاق له، وجوب الشرط محذوف دل عليه قول ينفق. قوله: (مبالغة في الوصف بالجود) أي الإعطاء الكثير الذي عم الطائع والعاصي، واعلم أن معاملة الله للمؤمنين بالفضل إعطاء أو منعاً، لأنه ما منعهم عطاء الدنيا إلا لكونه ادخر لهم ما هو أعظم منه في الآخرة، وأما معاملته للكفار، فبالفضل عند الإعطاء، وبالعدل عند المنع، يكون لأحد حق عليه. قوله: (وثني اليد الخ) أي فذكر اليدين مشاكلة، والتثنية كناية عن كثرة العطاء، لكن على مراده هو، لا على مراد عبيده، لأنه ليس لأحد حق عليه يطلبه منه، ثم في إطلاق اليد على الله طريقتان: طريقة السلف أن اليد صفة من صفاته أزلية، كالسمع والبصر، ينشأ عنها الخير لا الشر، فهي أخص من القدرة، لأن القدرة ينشأ عنها جميع الممكنات، إيجاداً وإعداماً، خيراً أو شراً، ولا يعلمها إلا هو، ويشهد لما قلنا. قوله:﴿ قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾[ص: ٧٥] أي اصطفيته، ولم يقل بقدرتي، وطريقة الخلف أن اليد تطلق بمعنى الجارحة، وهي مستحيلة على الله، وتطلق على القدرة والنعمة والملك، ويصح إرادة كل منهما في حق الله. إن قلت: على تفسيرها بالقدرة أو النعمة، فلم ثنيت ثانياً بعد إفرادها أولاً؟ أجيب: بأن التثنية لإفادة كثرة الكرم والعطاء كما قال المفسر إن قلت: على تفسيرها بالنعمة فمقتضاه جمعها لأن النعم كثيرة، قال تعالى:﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ ﴾[النحل: ١٨، إبراهيم: ٣٤] أجيب: بأن التثنية بحسب الجنس، لأن النعم جنسان مثل: نعمة الدنيا ونعمة الدنيا، ونعمة الظاهر ونعمة الباطن، ونعمة الإعطاء ونعمة المنع، وتحت كل واحد من الجنسين أنواع كثيرة، وما قلناه عقائد المؤمنين، وعقيدة اليهود أنها الجارحة لأنهم مجسمة. قوله: (فكل فرقة منهم) أي اليهود كالجبرية والقدرية والمشبهة والمرجئة، والنصارى كذلك فرق كالملكانية والنسطورية واليعقوبية والماردانية. إن قلت: إن المسلمين فرق أيضاً؟ أجيب: بأن افتراق المسلمين في الفروع لا الأصول، وكلهم على خير مسلمين لبعضهم، وأما من خرج عن ذلك فهو ضال مضل. قوله: ﴿ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ ﴾ أي بتعاطي أسبابه ومبادئه. قوله: (ردهم) أي قهرهم وجعلهم أذلة خاشعين. قوله: (أي مفسدين) أشار بذلك إلى أنه خال من فاعل يسعون، ويصح أن يكون مصدراً مؤكداً ليسعون من معناه. قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ﴾ بيان لحالهم في الآخرة، فهو تردد لهم لعلهم يهتدون، ومن هنا لا يجوز لعن كافر معين حي، لأنه يحتمل أنه يهتدي. قوله: (من الكتب) أي ككتاب شعياء، وكتاب دانيال، وكتاب أرمياء، ففي هذه الكتب أيضاً ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، فالمراد بإقامة الكتب الإيمان به صلى الله عليه وسلم، وقيل المراد بما أنزل إليهم من ربهم القرآن، لأنهم مأمورون بالإيمان به، لأنهم من جملة أمته صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا هو الأقربز قوله: (بأن يوسع عليهم الرزق) أي بأن يفيض عليهم بركات السماء والأرض، ويؤخذ من هذه الآية أن طاعة الله سبب في الرزق، ومعاصيه سبب في قبضه، قال تعالى:﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾[الطلاق: ٢-٣] وقال تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾[النحل: ٩٧].
وقال عليه الصلاة والسلام:" إذا رأيت قساوة في قلبك وحرماناً في رزقك ووهناً في بدنك فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك ".