قوله: ﴿ مُوسَىٰ ﴾ هو اسم عجمي غير منصرف وهو في الأصل مركب والأصل موشى بالشين لأن الماء بالعبرانية يقال له مو. والشجر يقال له شيء، فغيرته العرب وقالوه بالسين سمي بذلك، لأن فرعون أخذه من بين الماء والشجر حين وضعته أمه في الصندوق وألقته في اليم كما سيأتي في سورة القصص، وهذا بخلاف موسى الحديد فإنه عربي مشتق من أوسيت رأسه إذا حلقته، وعاش موسى مائة وعشرن سنة. قوله: ﴿ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾ إشارةإلى غاية المدة، وأما في سورة الأعراف فبين المبدأ والمنتهى، قال تعالى:﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾[الأعراف: ١٤٢] وهي ذو العقدة وعشر ذي الحجة، واقتصر على ذكر الليالي مع أن النهار تبع لها لأن الليل محل الصفا والأنس والعطايا الربانية. قوله: (عند انقضائها أي فراغها فبعد تمام الخدمة من العبد العطايا من الرب، قال عليه الصلاة والسلام:" تمام الرباط أربعوم يوماً "قوله: (التوراة) أي في ألواح من زبرجد فيها الأحكام التكليفية من خرج عنها فهو ضال مضل لقوله تعالى:﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ﴾[المائدة: ٤٤] الآية، وأعطاه أيضاً ألواحاً أخر فيها مواعظ وأسرار ومعارف، قال تعالى:﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾[الأعراف: ١٤٥] يخص بها من شاء فلما رجع بها ووجدهم قد عبدوا العجل ألقى الألواح فتكسر ما عدا التوراة، كذا قالوا هنا، وسيأتي تحقيق ذلك في الأعراف. قوله: (السامري) واسمه موسى وكان ابن زنا ولدته أمه في الجبل وتركته لخوفها من قومها، فرباه جبريل وكان يسقيه من أصبعه لبناً فصار يعرف جبريل، ويعرف أن أثر حافر فرس جبريل إذا وضع على ميت يحيا، فاستعار حلياً منهم وصاغة عجلاً ووضع التراب في أنفه وفمه فصار له خوار، وكان السامري منافقاً من بني إسرائيل فعكفوا على عبادته جميعاً إلا اثني عشر ألفاً قال بعضهم: إذا المرء لم يخلق سعيداً من الأزل   قد خاب من ربى وخاب المؤملفموسى الذي رباه جبريل كافر   وموسى الذي رباه فرعون مرسلقوله: (إلهاً) قدره إشارة للمفعول الثاني لاتخذ هذا إذا كانت بمعنى جعل، وأما إن كانت بمعنى عمل نصبت مفعولاً واحداً. قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ أي تتدبرون في معاينة فتعلموا الحق من الباطل قوله: ﴿ بِٱتِّخَاذِكُمُ ﴾ من إضافة المصدر لفاعله، والعجل مفعول أول وإلهاً مفعول ثان. قوله: ﴿ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ ﴾ البارئ هو الخالق للشيء على غير مثال سابق. قوله: ﴿ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ هذا بيان لتوبتهم. قوله: (أي ليقتل البريء إلخ) ورد أنهم أمروا جميعاً بالإحتباء، فصار الواحد منهم يقتل أخاه أو ابنه فشق عليهم ذلك، فشكوا لموسى ذلك فتضرع موسى لربه فأرسل عليهم سحابة سوداء مظلمة كما قال المفسر. قوله: ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي لما تضرع موسى وهارون وبكيا، فأرسل الله جبريل يأمرهم بالكف عن الباقي وأخبرهم أن الله قبل توبة من قتل ومن لم يقتل، وقوله فتاب عليكم الفاء سببية مرتب على محذوف قدره المفسر بقوله: فوفقكم لفعل ذلك إلخ، وقوله حتى قتل منكم نحو سبعين ألفاً أي في يوم واحد. قوله: ﴿ ٱلتَّوَّابُ ﴾ أي الذي يقبل التوبة كثيراً. قوله: ﴿ ٱلرَّحِيمُ ﴾ أي المنعم المحسن. قوله: (وقد خرجتم إلخ) بيان للسبب، وحاصل ذلك أنه بعد قبول توبتهم، أوحى الله إلى موسى أن خذ من قومك سبعين رجلاً ممن لم يعبدوا العجل ومرهم بطهارة الثياب والأبدان والذهاب معك إلى جبل الطور ليعتذروا عمن عبدوا العجل ويستغفروا ويتوبوا، فاختارهم وذهبوا معه إلى جبل الطور فسمعوا كلام الله ورد أن الله قال لهم إني أنا الله لا إله إلا أنا أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبدون ولا تعبدوا غيري، فقالوا: (يا موسى لن نؤم لك الآية).


الصفحة التالية
Icon