قوله: ﴿ بِمَا قَالُواْ ﴾ أي بسبب قولهم: ورتب الثواب على القول، لأنه قد سبق بما يدل على إخلاصهم فيه. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ لما ذكر الله تعالى الوعد لمؤمني النصارى، وذكر الوعيد لمن بقي منهم على الكفر جمعاً بين الترغيب والترهيب. قوله: (ونزل لما هم قوم) أي وهم عشرة اجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، وسبب اجتماعهم" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظ الناس يوماً حتى أبكاهم، فرقت أفئدتهم وعزموا على الترهب، وهم: أبو بكر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن وعثمان بن مظعون، فتتشاوروا واتفقوا على أنهم يلبسون المسوح، ويجبون مذاكيرهم، ويصومون الدهر، ويقومون الليل، ولا ينامون على الفراش، ولا يأكلون اللحم والودك ولا يقربون النساء ولا الطيب، وأن يسيحوا في الأرض، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادقه، فقال لامرأته: أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب، وكرهت أن تفشي سر زوجها، فقالت: يا رسول الله إن كان قد أخبرك عثمان فقد صدق، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء عثمان أخبرته بذلك فأتى هو وأصحابه العشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ألم أخبر أنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ فقالوا: يا رسول الله وما أردنا إلا الخير، فقال رسول الله: " إني لم أؤمر بذلك ثم قال صلى الله عليه وسلم: " إن لأنفسكم عليكم حقاً، فصوموا وافطروا، وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني، ثم جمع الناس وخطبهم فقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب وشهوات الدنيا، وإني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً، فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أمتي ورهبانيتهم الجهاد، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، واستقيموا يستقم لكم، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الديارات والصوامع "، فنزلت تلك الآية. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ هذا هو فاعل نزل. قوله: ﴿ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ ﴾ أي لا تجعلوها حراماً على أنفسكم، فمن حرم حلالاً فلا يحرم عليه إلا الزوجة، لأن الله جعل بيده تحريمها وتحليلها دون ما سواها، واعتقاد التحريم من غير إنشاء منه كفر. قوله: (تتجاوزا أمر الله) أي ونهيه فلا تفعلوا ما نهى الله عنه، ولا تفرطوا فيما أمر به. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴾ أي المتجاوزين الحد، ومن جملة ذلك قطع المذاكير والشهوة والإسراف في المطاعم والمشارب قال تعالى:﴿ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ ﴾[الأعراف: ٣١].
قوله: (حال) أي من حلالاً لأنه في الأصل نعت نكرة قدم عليها وطيباً صفته. قوله: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ أي امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه، فتقوى الله لا تتوقف على الرهبانية كما كان في الأمم السابقة.