قوله: ﴿ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ لما كان قتل الصيد في حال الإحرام مشدداً في النهي عنه، كرر في هذه الصورة أربع مرات أولها في قوله:﴿ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾[المائدة: ١] ثانيها﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ ﴾[المائدة: ٩٤] الآية. ثالثها ﴿ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾.
رابعها ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ ﴾.
الآية. قوله: ﴿ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ ﴾ أتى به وإن علم من قوله:﴿ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[المائدة: ٩٤] ليرتب عليه قوله: ﴿ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً ﴾ الآية. قوله: ﴿ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ الجملة حالية من فاعل تقتلوا، وحرم جمع حرام، يقع على المحرم وإن كان في الحل، وعلى من في الحرام وإن كان حلالاً، فهما سيان في النهي عن قتل الصيد. َقوله: ﴿ وَمَن قَتَلَهُ ﴾ من اسم شرط جازم، وقتل فعل الشرط، وقوله: ﴿ فَجَزَآءٌ ﴾ مبتدأ خبره محذوف قدره المفسر بقوله: (فعليه) وقوله: ﴿ مِّثْلُ ﴾ خبر لمحذوف تقديره هو مثل، والجملة جواب الشرط، والمعنى أن ما قتله المحرم أو من في الحرم، أول مدخل في قتله، فعليه جزاؤه، وهو ميتة لا يجوز أكله، ويقدم المضطر ميتة غيره عليه. قوله: ﴿ مُّتَعَمِّداً ﴾ سيأتي للمفسر أنه لا مفهوم وله، بل الخطأ والنسيان كذلك، إلا أن الحرمة مختصة بالمتعمد. قوله: ﴿ مِنَ ٱلنَّعَمِ ﴾ أي الإنسية وهي الإبل والبقر والغنم، والجار والمجرور حال من مثل أو صفة له. قوله: (وفي قراءة) وهي سبعية أيضاً. قوله: (بإضافة جزاء) إن قلت على هذه القراءة يقتضي أن الجزاء لمثل المقتول لا المقتول نفسه مع أنه ليس كذلك. أجيب بأجوبة منها: أن الإضافة بيانية، ومنها أن مثل زائدة، ومنها أن جزاء مصدر مضاف لمفعوله، أي أن يجازى القاتل مثل المقتول حال كون المصل من النعم. قوله: (رجلان) قدره إشارة إلى أن ذوا صفة لموصوف محذوف. قوله: ﴿ ذَوَا عَدْلٍ ﴾ أي عدل شهادة. قوله: (يميزان بها) أي بتلك الفطنة أي العقل الزكي قوله: (وقد حكم ابن عباس) أي وحكم الصحابة المذكور بين أصول المماثلة، وأما جزئيات الوقائع، فلا بد لكل واحد من حكم إلى يوم القيامة، لاختلاف الصيد بالكبر والصغر، ولا بد من كون الجزاء المحكوم به يجزئ ضحية عند مالك. قوله: (في النعامة) أي ومثلها الزرافة والفيل، وقوله: (في الظبي) أي ومثله الضب. قوله: (لأنه يشبهها في العب) أي شرب الماء بلا مص، وهذا التعليل للإمام الشافعي، وقال مالك بوجوب الشاة في خصوص حمام مكة ويمامة تعبداً، فإن لم يكن شاة فصيام عشرة أيام من غير تقويم ولا حكم، وحمام غيرها وسائر الطيور ليس فيه إلا قيمته طعامناً أو عدله صياماً. قوله: (حال من جزاء) ويصح أن يكون تمييزاً، وأن يكون مفعولاً مطلقاً والتقدير يهديه هدياً. قوله: (فعليه) أي طعاماً لكل مسكين مد، أو يصوم عن كل مد يوماً، فهو مخير بين أمرين فيما لا مثل له، وبين ثلاثة فيما له مثل. قوله: (وإن وجده) أي الجزاء وهو مبالغة في الكفارة، أي الكفارة عليه، هذا إذا لم يجد الجزاء، بل وإن وجده. قوله: (لكل مسكين) أي من مساكين المحل الذي هو به، وأما الصيام فلا يختص بزمان ولا مكان. قوله: (وجب ذلك) أي الجزاء بأقسامه الثلاثة، وقوله: ﴿ لِّيَذُوقَ ﴾ متعلق بقوله: (وجب) وكان المناسب أن يأتي بالواو ليفيد أنه كلام مستأنف، وليس جواباً لقوله فإن وجده لفساد ذلك. قوله: ﴿ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ أي جزاء ذنبه الصادر منه، ويؤخذ من ذلك أن قتل الصيد متعمداً للمحرم أو من في الحرم كبيرة، ولو أخرج الجزاء فيحتاج لتوبة. قوله: (ثقل جزاء) ﴿ أَمْرِهِ ﴾ أي لأن إخراج المال ثقيل على النفس، والصوم فيه إنهاك للبدن فهو ثقيل أيضاً. قوله: ﴿ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف ﴾ أي لا يؤاخذ به، فلا يرد أن ما قبل التحريم لا ذنب في قتله. قوله: ﴿ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ ﴾ أي يعاقبه. قوله: (فيما ذكر) أي في لزوم الجزاء، وإن كان لا إثم فيه. قوله: (الخطأ) أي الغلط والنسيان. قوله: (كالسمك) أي وغيره من دواب البحر، وإن كان على صورة آدمي أو خنزير. قوله: (كالسرطان) أي والضفدع والتمساح. قوله: (وهو ما يعيش فيه) الأولى ما لا يعيش إلا فيه. قوله: (من الوحش) استثنى الشارع الفأرة والحية والعقرب والكلب العقور والحدأة والعادي من السباع. قوله: (فلو صاده حلال) أي لنفسه أو لحلال، وأما ذبحه لمحرم من غير دلالة من المحرم عليه فميتة عند مالك، وعند الشافعي ليس بميتة. قوله: (كما بينته السنة) أي كما روي عن أبي قتادة الأنصاري قال: كنت جالساً مع رجال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم، وذلك عام الحديبية، فأبصروا حماراً وحشياً، وأنا مشغول أخصف النعل، فلم يؤذوني وأحبوا لو أبصرته، فالتفت فأبصرته، فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت، ونسيت السوط والسرع والرمح، فقلت لهم: ناولوها لي، فقالوا: لا والله لا نعينك عليه، فغضبت ونزلت فأخذتهما ثم ركبت، فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا وخبأت العضد، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال: هل معكم شيء منه؟ فقلت نعم، فناولته العضد فأكل منه وهو محرم، زاد في رواية أن النبي قال لهم إنما هي طعمة أطعمكموها الله. قوله: ﴿ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ أي لا إلى غيره، فلا أحد غير الله يُلتجأ إليه حتى يتوهم الفرار من وعيد الله.


الصفحة التالية
Icon