قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ قيل إنه مرتبط بما قبله فيكون قوله لا يضركم من ضل يعني من أهل الكتاب، والمعنى أن الله كلفنا بقتال الكفار حتى يسلموا أو يؤيدوا الجزية، فإذا أدوها كففنا أنفسنا عنهم ولا يضرنا كفرهم، وقيل مستأنفة نزلت في العصاة، فالمعنى عليك بحفظ نفسك ولا تتعرض لغيرك، فلا يضرك ضلال من ضل. إن قلت: إن هذا يوهم أن المدار على هدى الإنسان في نفسه، ولا يلزمه الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، وهو خلاف النصوص الشرعية من الآيات والأحاديث النبوية. وأجيب: يحمل ذلك على من عجز عن ذلك، وإلى هذين القولين أشار المفسر فيما يأتي بقوله قيل المراد الخ، وفي الحقيقة المراد ما هو أعم، فإذا امتثل العبد ما أمره الله به وترك ما نهاه عنه فلا يضره مخالفة من خالف. قوله: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ بنصب أنفسكم على الإغراء، لأن عليكم اسم فعل بمعنى الزموا، والفاعل مستتر وجوباً تقديره أنتم، والمعنى الزموا حفظ أنفسكم وهدايتها ووقايتها من النار، والكاف في عليكم ونظيره من أسماء الأفعال كإليك ولديك، قيل في محل جر بعلى بحسب الأصل، وقيل في محل نصب ولا وجه له، وقيل في محل رفع توكيد للضمير المستتر، وذهب ابن بأبشاذ إلى أنها حرف خطاب، وقرئ شذوذاً برفع أنفسكم، وخرجت على أحد وجهين: الأول كونها مبتدأ وعليكم خبر مقدم، والمعنى على الإغراء على كل حال، فإن الإغراء جاء بالجملة الابتدائية، ومنه قراءة بعضهم ﴿ ﴾.
والرفع الثاني أنه توكيد للضمير المستتر في عليكم وإن كان خلال القياس، لأن القياس لا يؤكد بالنفس الضمير المتصل إلا بعد الضمير المنفصل لقول ابن مالك: وَإنْ تُؤكّد الضَّمِيرَ المُتَّصِل بِالنَّفْسِ وَالعَيْنِ فَبعْد المُنْفَصِلقوله: (وقيل المراد غيرهم) أي غير أهل الكتاب من العصاة، ليس فيها دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ قد ورد أن الصديق قال يوماً على المنبر: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها، ولا تدرون ما هي، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه عمهم الله بعقاب، فأمروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر، ولا تغتروا بقول الله عز وجل: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ فيقول أحدكم علي نفسي، والله لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لهم "وقال الصديق أيضاً أن هذه الآية تعدونها رخصة، والله ما أنزل آية أشد منها. قوله: (سألت عنها) أي عن هذه الآية، وقوله: (فقال) أي في بيان معناها. قوله: (شحاً مطاعاً) الشح نهاية البخل، وقوله مطاعاً أي يطيعه صاحبه. قوله: (وهوى) بالقصر ما تميل إليه النفس من القبائح. قوله: (متبعاً) أي يتبعه صاحبه. قوله: (ودنيا مؤثرة) بهمزة ودونها، أي يقدمها صاحبها على الآخرة. قوله: (وإعجاب كل ذي رأي برأيه) أي فلا يعجبه رأي غيره، ولا يقبل نصيحته، زاد الخائن في تلك الرواية بعد قوله فعليك لنفسك: ردع العوام فإن من ورائكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم ١ هـ. قوله: ﴿ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ﴾ فيه وعد لمن أطاع ووعيد لمن اغتر وعصى.