قوله: ﴿ أَن يَأْتُواْ ﴾ المقام للتثنية، وكذا قوله: ﴿ أَوْ يَخَافُوۤاْ ﴾ أيضاً وإنما جمع لأن المراد ما يعم الشاهدين المذكورين وغيرهما، وإنما ردت اليمين على الوارث، مع أن حقها أن تكون من الوصي لا غير، لأنه مدعى عليهما، إما لظهور خيانتهما فبطل تصديقهما باليمين، أو لتغير الدعوى أي انقلابها لأنه صار المدعى عليه مدعياً حيث ادعى الملك. قوله: (فلا يكذبوا) أي فلا يأتوا باليمين كاذبة، والمعنى أنه إنما شرع الله رد اليمين على الورثة في مثل هذه الواقعة، ليتحفظ الشاهد أو الوصي من اليمين الكاذبة أو يبنى على حصول الفضيحة. قوله: (إلى سبيل الخير) متعلق بيهدي، وفي بعض النسخ إلى سبيل الشر، فيكون متعلقاً بالخارجين.- تنبيه - ما كتبناه في تفسير تلك الآيات الثلاث هو جهل المقل، وإلا فلم يزل العلماء يستشكرونها، إعراباً وتفسيراً وأحكاماً، وقالوا إنها من أصعب آي القرآن وأشكله. قوله: (اذكر) قدره المفسر إشارة إلى أن يوم ظرف متعلق بمحذوف. قوله: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ ﴾ أي الثلثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر، أو خمسة، والحق أنه لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى. قوله: ﴿ فَيَقُولُ ﴾ مقتضى الآية أنه يجمعهم في سؤال واحد، ولكن يرى كل واحد منهم أنه المسؤول لا غيره، وترى كل أمة أن رسولها هو المسؤول، ولا مانع من ذلك، فإن الله يحول بين المرء وقلبه. قوله: (توبيخاً لقومهم) دفع بذلك ما يقال: كيف يسأل الله الرسل مع أنه العالم بالحقيقة؟ فأجاب: بأن حكمة السؤال توبيخ الأمم على ما وقع منهم من الكفر والعصيان، وليس المقصود أن الله يعلم شيئاً لم يكن عالماً به من قبل، تنزه الله عن ذلك، يوضح هذا الجواب قوله تعالى:﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ﴾[النساء: ٤١] إلى أن قال:﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً ﴾[النساء: ٤٢].
قوله: (أي الذي) أشار بذلك إلى أن ما اسم استفهام مبتدأ، وذا اسم موصول خبر، وأجبتم صلته، والعائد محذوف قدره المفسر بقوله به، قال ابن مالك: وَمِثْل مَاذَا بَعْد مَا اسْتِفْهَام   أَوْ مَنْ إذَا لَمْ تُلْغَ فِي الكَلاَمِقوله: (بذلك) أي بما أجبنا به. قوله: ﴿ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ ﴾ علة لما قبله، أي فعلمنا في جانب علمك كل شيء، لأنك تعلم ما غاب عنا وما ظهر، وأما علمنا فهو قاصر على بعض ما ظهر، قوله: (وذهب عنهم علمه الخ) جواب عما يقال كيف يقولون لا علم لنا مع أنهم عالمون بذلك، فيلزم عليه الإخبار بخلاف الواقع. فأجاب: بأن في ذلك الوقت يتجلى الله بالجلال على كل أحد حتى ينسى الرسل العصمة والمغفرة، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وأما قوله تعالى﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾[الأنبياء: ١٠٣] أي انتهاء، وأما في ابتداء الموقف فلشدة الهول يكونون جثياً على الركب يقولون رب سلم سلم ثم يحصل لهم ذهول ونسيان لما أجيبوا به، فإذا آمنوا وسكن روعهم شهدوا على أممهم فلا منافاة، وأجيب أيضاً: بأن معنى قولهم: ﴿ لاَ عِلْمَ لَنَآ ﴾ تفويض الحكم والعلم لله تعالى، كأنهم يقولون: أنت الحكم العدل وهم عبيدك فلا علاقة لنا بهم، وأجيب أيضاً: بأن المراد نفي العلم الحقيقي، إذ هو لا يكون إلا لله تعالى، لأنه المطلع على السرائر والظواهر، وأما نحن فإنما نعلم منهم ما ظهر، وما ذكره المفسر من أن الأنبياء يحصل لهم الفزع ابتداء حتى يذهلوا عن جواب أممهم لهم ثم يسكنون أحد الطريقين، والطريق الثانية وعليها المحققون أن الرسل حينئذ نفسي نفسي لا أملك غيرها، فلا يقتضي حصول الفزع، وإنما معنى ذلك أنه يقول ليست الشفاعة العظمى لي وإنما هي لغيري، فلا أملك إلا نفسي، ولم يجعل الله لي الشفاعة العامة، وذهاب الأمم للرسل وردهم إياهم إنما هو إظهار لفضله صلى الله عليه وسلم وذلك هو المقام المحمود، فالأحسن الجواب الثاني أو الثالث. قوله: (اذكره) قدره إشارة إلى أن ظرف متعلق بمحذوف وليس متعلقاً بما قبله، لأن هذه قصة مستقلة.


الصفحة التالية
Icon