قوله: ﴿ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ﴾ هذا من جملة عنادهم وكفرهم. قوله: (فلم يؤمنوا) مرتب على قوله: ﴿ وَلَوْ أَنزَلْنَا ﴾ فهو من تتمة الشرط، والمعنى أن الله لو أجابهم بإنزال ملك ولم يؤمنوا لأهلكهم كمن قبلهم مع أنه قال﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾[الأنفال: ٣٣] فعدم إجابتهم رحمة بهم. قوله: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً ﴾ رد لقوله هلا كان رسولنا من الملائكة لا من البشر. قوله: (أي على صورته) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف أي صورة رجل، فالشبه في الصورة فقط. قوله: (إذ لا قوة للشر على رؤية الملك) أي ولذلك كان يأتي الأنبياء على صورة رجل، ولم ير الملك على صورته الأصلية أحد من البشر إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: مر في الأرض عند غار حراء، ومرة في السماء عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء. قوله: ﴿ وَلَلَبَسْنَا ﴾ جعله المفسر جواب شرط محذوف والواو داخلة على فعل الشرط المحذوف قدره بقوله: (ولو جعلناه رجلاً) والمناسب للمفسر الاقتصاد على ذلك، ويحذف قوله ﴿ وَ ﴾ (لو أنزلناه) ولبس بفتح الباء يلبس بكسرها، خلط يخلط والتبس اختلط واشتبه، وأما لبس بكسر الباء يلبس بفتحها سلك الثوب في العنق. قوله: ﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ فلا تحزن واصبر على أذاهم، فإن الله كافيك شرهم. قوله: (فكذا يحيق بمن استهزأ بك) أي لكن لا على الوجه الذي حاق بهم من عموم العذاب، بل بأخذ المتمرد بخصوصه، وقد فعل الله له ذلك. قال تعالى: و﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾[الحجر: ٩٥].
قوله: ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ هذا استشهاد على ما تقدم، كأنه قيل إن لم تصدقوا خبر ربكم بأنه حاق بالذين سخروا وكذبوا أنبياءهم العذاب فسيروا وعاينوا آثارهم. قوله: ﴿ ثُمَّ ٱنْظُرُوا ﴾ أتى بثم لأنه لا يحسن التفكر والاستدلال، ولا بثم إلا بعد تمام السير ومعاينة الآثار. قوله: ﴿ كَيْفَ ﴾ اسم استفهام خبر كان وعاقبة اسمها، وإنما قدم الخبر عليها وعلى اسمها، لأن اسم الاستفهام له الصدارة. قوله: (ليعتبروا) أي يتعظوا فبالسير والتفكر يحصل الاستدلال والنور التام، ومن هنا أخذت الصوفية السياحة، لأن من جملة ما يعين على الوصول إلى الله والترقي إلى المعارف النظر والتفكر في مصنوعاته، قال تعالى﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ ﴾[فصلت: ٥٣].


الصفحة التالية
Icon