قوله: ﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ ﴾ سبب نزولها: أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش، فقالوا يا محمد ائتنا بآية من عند الله كما كانت الأنبياء تفعل فإنا نصدقك، فأبى الله أن يأتيهم بآية مما اقترحوا فأعرضوا عنه، فشق ذلك عليه لما أنه شديد الحرص على إيمان قومه، فكان إذا سألوه آية يود أن ينزلها الله طمعاً في إيمانهم فنزلت. وإن حرف شرط، وكان فعل ماض من الشرط، واسمها ضمير الشأن، وكبر فعل ماض، وإعراضهم فاعله، والجملة خبر كان، والأقرب إن إعراضهم اسم كان مؤخراً، وجملة خبرها مقدم، وفاعل كبر ضمير يعود على إعراضهم، وهو وإن كان مؤخراً لفظاً إلا أنه مقدم رتبة. قوله: ﴿ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ ﴾ هذه الجملة شرطية، وجوابها محذوف تقديره فافعل، والشرط وجوابه جواب الشرط الأول، والمعنى إن عظم عليك إعراضهم، ولم تكتف بالمعجزات التي ظهرت على يديك فإن استطعت أن تأتيهم بآية فافعل. قوله: (سرياً) بفتحات شق في الأرض، والنفق السرب النافذ في الأرض، ومنه النافقاء والقاصعاء والرامياء، ثم يدقق بالحفر ما يقارب وجه الأرض، فإذا نابه أمر، دفع تلك القشرة الدقيقة وخرج. والمعنى إن شئت أن تتحيل على إتيان آية لقومك على طبق ما اقترحوا فافعل، وهذا عتاب لرسول الله على التعلق بإيمانهم، وترق له إلى المقام الأكمل الذي هو التسليم له. قوله: ﴿ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ﴾ أي من تحت الأرض أو من فوق السماء. قوله: (هدايتهم) أي جمعهم على الهدى. قوله: (ولكن لم يشأ ذلك) هذا استثناء نقيض المقدم، فينتج نقيض التالي إن كان بينهما تساوٍ كما هنا، نظير لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً، وقد أشار لمعنى النتيجة بقوله فلم يؤمنوا، وإلا فالنتيجة فلم يجمعهم على الهدى. قوله: ﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ ﴾ أي الذين لا تسليم لهم، فلا تتعب نفسك في طلب ما اقترحوه فإنهم لا يؤمنون. قوله: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾ هذا من جملة التسلية لرسول الله، والمعنى لا تحزن على عدم إيمانهم، فإنما يستجيب لك ويمتثل أمرك، ويقبل المواعظ الذين يسمعون سماع قبول، والذين لا يسمعون يبعثهم الله فيجازيهم على ما صدر منهم، فللنار أهل، وللجنة أهل، فمن خلق الله فيه الهدى انتفع بالمواعظ وآمن، ومن خلق فيه الضلال فلا تزيده المواعظ والآيات إلا ضلالاً، وهذه الآية في الحقيقة استدراك على قوله: ﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ ﴾.
فالمعنى لم يشأ جمعهم على الهدى. بل قسم الخلق قسمين: قسم للجنة، وقسم للنار. قوله: (دعاءك إلى الإيمان) هذا هو مفعول يستجيب، والسيت والتاء لتأكيد الإجابة، والمراد بالذين يسمعون من سبقت لهم السعادة في الأزل، فما يظهر منهم من الإيمان هو على طبق ما سبق. قوله: (أي الكفار) أشار بذلك إلى أن قوله ﴿ وَٱلْمَوْتَىٰ ﴾ مقابل قوله ﴿ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾.
قوله: ﴿ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ﴾ أي يحييهم، وقوله (في الآخرة) إشارة للحشر، أن المراد بالبعث الإحياء بعد الموت، وهذا هو الأقرب، وقيل معنى يبعثهم يحيي قلوبهم بالإيمان، فهو بشارة لرسول الله بأن أعداءه يؤمنون، ولكن يرده الحصر المتقدم، وأيضاً من آمن فهو داخل في قوله الذين يسمعون. قوله: (بأعمالهم) الباء إما سببية أو بمعنى على، والمراد بالأعمال الكفر والمعاصي، وقوله: ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ أي يوقفون للحساب والجزاء، وأما البعث فهو الإحياء بعد الموت فتغايرا.