قوله: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ ﴾ الوسوسة: الحديث الخفي الذي يلقيه الشيطان في قلب الإنسان على سبيل التكرار. إن قلت: إن الأنبياء معصومون من وسوسة الشيطان، وظاهر الآية يقتضي أن الشيطان وسوس لآدم. أجيب: بأنه لم يباشر آدم بالوسوسة، وإنما باشر حواء، وهي باشرت آدم بذلك، قال محمد بن قيس: ناداه ربه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك؟ قال: أطعمتني حواء، قال لحواء: لم أطعمتيه؟ قالت: أمرتني الحية، قال للحية: لم أمرتيها؟ قالت: أمرني إبليس، قال الله: أما أنت يا حواء فلأدمينك كل شهر كما أدميت الشجرة، وأما أنت يا حية فأقطع رجليك فتمشين على وجهك وليشدخن رأسك كل من لقيك، وأما أنت يا إبليس فملعون. إن قلت: كيف وسوس لهما وهو خارج الجنة؟ أجيب: بأن وسوسته وإن كانت خارج الجنة، إلا أنها وصلت لهما بقوة جعلها الله له على ذلك، أو أنه تحيل على دخول الجنة بدخوله في جوف الحية ووسوس لهما، وقوله: ﴿ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ من شاط بمعنى احترق، أو من شطن بمعنى بعد، قوله: (إبليس) أي من أبلس إبلاساً بمعنى يائس، لأنه آيس من رحمة الله، وقد تقدم في البقرة جملة أسمائه فانظرها. قوله: ﴿ لِيُبْدِيَ لَهُمَا ﴾ هذا من جملة أغراضه في الوسوسة، فتكون اللام للتعليل، ويحتمل أنها للعاقبة، وأن غرضه في الوسوسة خصوص غضب الله عليهما وطردهما من الجنة. قوله: ﴿ مَا وُورِيَ عَنْهُمَا ﴾ أي غطى وستر عنهما، واختلف في ذلك اللباس، فقيل غطاء على الجسد من جنس الأظفار فنزع عنهما وبقيت الاظفار في اليدين والرجلين، تذكرة وزينة وانتفاعاً، ولذلك قالوا إن النظر للأظفار في حال الضحك يقطعه، وقيل كان نوراً، وقيل كان من ثياب الجنة. قوله: (فوعل) أشار بذلك إلى أن الواو الثانية زائدة، وحينئذ فلا يجب قلب الأولى همزة، وإنما يجب لو كانت الثانية أصلية. قوله: ﴿ مِن سَوْءَاتِهِمَا ﴾ عورتهما سميت بذلك لأن كشفها يسيء صاحبها. قوله: ﴿ وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا ﴾ معطوف على وسوس بيان له. قوله: ﴿ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ ﴾ بفتح اللام أي لم ينهكما عن الأكل منها إلا كراهة أن تكونا من الملائكة، أو تكونا من الخالدين في الجنة فالمعنى الذي أدعاه لهما، أن الأكل منها سبب لأن يكونا من الملائكة وسبب للخلود فيها. قوله: (كراهة) أفاد المفسر أن الاستثناء مفرغ وهو مفعول من أجله، قدره البصريون: ﴿ إِلاَّ ﴾ (كراهة) ﴿ أَن تَكُونَا ﴾ الخ، وقدره الكوفيون أن لا تكونا، وتقدير البصريين أولى، لأن إضمار الاسم أحسن من إضمار الحرف. قوله: (وقرئ بكسر اللام) أي شذوذاً، ويؤيده قوله تعالى في موضع آخر﴿ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ ﴾[طه: ١٢٠] فالملك بالضم يناسب الملك بالكسر. قوله: (أي وذلك) أي أحد الأمرين. وقوله: (لازم) أي ناشئ (عن الأكل منها)، وقضية هذه الآية على قراءة الكسر، عدم اجتماع الأمرين، وقضية الآية الأخرى وهي﴿ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ ﴾[طه: ١٢٠] اجتماعهما، وأجيب بأن أو بمعنى الواو، وحكمة ترغيبهما في الملكية، أن الملائكة خصوا بالقرب من العرش، ولهم المنزلة عند الله. قوله: ﴿ وَقَاسَمَهُمَآ ﴾ معطوف على ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ ﴾ وإنما أقسم لهما لأجل تأكيد إضلاله، فهو أول من حلف كاذباً، بل هو أول من عصى الله مطلقاً. قوله: (أي أقسم لهما بالله) أي وقبلا منه القسم، فالمفاعلة باعتبار ذلك، وإلا فالواقع أنها ليست على بابها، لأن الحالف هو فقط. قوله: (في ذلك) أي ما ذكر من كونهما بالملائكة ويكونان من الخالدين.