قوله: ﴿ وَ ﴾ (اذكر) أي يا محمد والمناسب للسياق اذكروا ويكون خطاباً لبني إسرائيل، الفروع تذكيراً لهم بقبائح أصولهم. قوله: (وقلنا) ﴿ لاَ تَعْبُدُونَ ﴾ قدر ذلك إشارة إلى أن جملة لا تعبدون في محل نصب مقول لقول محذوف، وذلك القول في محل نصب على الحال من فاعل أخذنا، التقدير، وأذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل حال كوننا قائلين لا تعبدون إلخ، ويحتمل أن جملة لا تعبدون إلا الله مفسرة للميثاق لا محل لها من الإعراب والاحذف وهو الأقرب. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان ولا التفات في ذلك على ما قرره المفسر من تقدير القول، وعلى الإحتمال الثاني ففيه التفات على قراءة التاء من الغيبة إلى الخطاب فإن الإسم الظاهر من قبيل الغيبة. قوله: (خبر بمعنى النهي) أي فهي جملة خبرية لفظاً لعدم جزم الفعل إنشائية معنى لأن القصد النهي عن عبادة غير الله! لا الإخبار عنهم بأنهم لا يعبدون غير الله، والحكمة في التعبير عن الإنشاء بالخبر استبعاد ذلك منهم وتقوية للإنشاء، كأنه قيل لا ينبغي أن تعبدوا غير الله حتى ننهاكم عنه، بل أخبر عنهم بأنهم لا يعبدون إلا الله كأنه لم يقع منهم عبادة لغيره أبداً. قوله: (وقرئ) أي قراءة شاذة لأن قاعدة المفسر يشير للشاذة بقرئ وللسبعية بأي قراءة غالباً. قوله: (وأحسنوا) قدر ذلك إشارة إلى أنه من عطف الجمل على جملة لا تعبدون، وأتى بحق الوالدين عقب حق الله، إشار إلى أنه آكد الحقوق بعد عبادة الله. قال تعالى:﴿ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾[لقمان: ١٤] فإنهما السبب في وجود الشخص ويجب برهما ولو كافرين، وبالجملة فلم يشدد الله على أمر كتشديده على برهما. قوله: (عطف على الوالدين) أي من عطف المفردات، وأحسنوا مسلط عليه التقدير، واحسنوا بذي القربى لأن حق القرابة تابع لحق الوالدين والإحسان اليهم إنما هو بواسطتهما. قوله: ﴿ وَالْيَتَامَىٰ ﴾ جمع يتيم وهو من الآدميين من فقد أباه، ومن غيرهم من فقد أمه. قوله: ﴿ وَٱلْمَسَاكِينِ ﴾ المراد ما يشمل الفقراء فإن الفقير والمسكين متى اجتمعا افترقا ومتى افترقا اجتمعا قوله: ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ ﴾ أي عموماً ومنه الحديث" وخالق الناس بخلق حسن ". قوله: (قولاً) ﴿ حُسْناً ﴾ أشار بذلك إلى أن حسناً بفتحتين صفة مشبهة لموصوف محذوف. قوله: (والنهي عن المنكر) أي على حسب مراتبه من النهي باليد ثم اللسان ثم القلب. قوله: (والرفق بهم) أي بالناس بأن يوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم. قوله: (وفي قراءة) أي سبعية. قوله: (مصدر) أي على غير قياس إن كان فعله أحسن وهو المتبادر، وقياسي إن كان فعله حسن كظرف وكرم. قوله: (وصف به مبالغة) أي أو على حذف مضاف على حد ما قيل في زيد عدل. قوله: ﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ﴾ أي المفروضات عليهم في مثلهم، وما نزل بقارون من الخسف به وبداره سببه منع الزكاة. قوله: (فقبلتم ذلك) قدر ذلك لأجل العطف بثم عليه. قوله: (فيه التفات) وحكمته الإستلذاذ للسامع وعدم الملل منه، فإن الإلتفات من المحسنات للكلام. قوله: ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ ﴾ أي من أجدادكم وهو من أقام اليهود على وجهها قبل النسخ، أي ومنكم أيضاً وهو من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه. قوله: ﴿ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ خطاب للفروع ويلاحظ قوله: ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ هنا كما علمت فتغاير معنى الجملتين فلا تكرار. قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ﴾ المقدر اذكروا فهو خطاب لنبي إسرائيل وهو معطوف على الجملة الأولى المتعلقة بحقوق الله، وهذه الجملة متعلقة بحقوق العباد، فخانوا كلا من العهدين، وهي متضمنة لأربعة عهود: الأول لا يسفك بعضهم دماء بعض، الثاني لا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، الثالث لا يتظاهر بعضهم على بعض الإثم والعدوان، الرابع أن وجد بعضهم بعضاً أسيراً فداه ولو بجميع ما يملك. قوله: ﴿ مِيثَاقَكُمْ ﴾ أي ميثاق آبائكم في التوراة، فإن هذا خطاب لقريظة وبني النضير الكائنين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (وقلنا) ﴿ لاَ تَسْفِكُونَ ﴾ قدر القول إشارة إلى أن الجملة في محل نصب مقول لقول محذوف، والجملة حالية من فاعل أخذنا، التقدير أخذنا ميثاقكم حال كوننا قائلين، ويحتمل أن الجملة لا محل لها من الإعراب تفسير للميثاق وتقدم ذلك في نظيره. قوله: ﴿ لاَ تَسْفِكُونَ ﴾ مضارع سفك من باب ضرب وقتل أراق الدم أو الدمع. قوله: (بقتل بعضكم بعضاً) أشار بذلك إلى أنه من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، لأنه يلزم من القتل إراقة الدم غالباً والإضافة في دمائكم لأدنى ملابسة، فإن دم الأخ كدم النفس أو باعتبار أن من قتل يقتل، أي فلا تتسببوا في قتل أنفسكم بقتلكم غيركم، وهنا حذف يعلم بما يأتي أي ظلماً وعداوناً. قوله: ﴿ مِّن دِيَارِكُمْ ﴾ أصله دوار وقعت الواو إثر كسرة قلبت ياء، وأسند الإخراج لأنفسهم مع أنهم يخرجون غيرهم، لأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله. قوله: ﴿ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ﴾ لم يذكر هنا بقية العهود لأن عهد عدم التظاهر بالإثم والعدوان ملاحظ في العهدين الأولين، أما الرابع فقد وفوا به فلم يعاتبهم الرب عليه. قوله: (على أنفسكم) أشار بذلك إلى أن الجملة مؤكدة لجملة ثم أقررتم لأن الشهادة على النفس هي الإقرار بعينه، ويحتمل أن قوله ثم أقررتم خطاب لبني إسرائيل الأصول، وقوله وأنتم تشهدون خطاب للفروع، فتغاير معنى الجملتين ولا تأكيد.