قوله: ﴿ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً ﴾ عطف قصة على قصة، ولذا قدر المفسر أرسلنا ومدين اسم قبيلة شعيب، واسم لقريته أيضاً، بينها وبين مصر ثمانية مراحل، سميت باسم أبيهم مدين ابن ابراهيم الخليل، فشعيب أخوهم في النسب، وليس من أنبياء بني إسرائيل، وقوله: ﴿ شُعَيْباً ﴾ بدل من أخاهم، أو عطف بيان عليه، وأرسل شعيب أيضاً إلى أصحاب الأيكة، وهي شجر ملتف بعضه بالقرب من مدين، قال تعالى:﴿ كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾[الشعراء: ١٧٦].
قوله: (معجزة) لم تذكر تلك المعجزة في القرآن، وقيل المراد بها نفسه، بمعنى أن أوصافه لا يمكن معارضتها، وقيل المراد بها. قوله: ﴿ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ ﴾ الخ، بمعنى ما يترتب عليها من العز للمطيع، والذل والعقاب للمخالف. قوله: ﴿ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ ﴾ أي وكانت عادتهم نقص الكيل والميزان. قوله: ﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ هذا لازم لقوله: ﴿ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ ﴾ لأن الشخص إذا لم يوف الكيل والميزان لغيره فقد نقصه من الثمن، وكذلك إذا استوفى الكيل والميزان لنفسه، فقد نقص الغير من الثمن. قوله: ﴿ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾ ورد أنه قبل بعث شعيب لهم، كانوا يفعلون المعاصي، ويستحلون المحارم، ويسفكون الدماءـ فلما بعث شعيب أصلح الله به الأرض، وهكذا كل نبي بعث إلى قومه. قوله: (مريدي الإيمان) جواب عما يقال إنهم لم يكونوا مؤمنين إذ ذاك. قوله: (فبادروا إليه) جواب الشرط، وما قبله دليل الجواب. قوله: ﴿ بِكُلِّ صِرَاطٍ ﴾ أي محسوس بدليل ما بعده. قوله: (تخوفون الناس) قدره إشارة إلى أن مفعول: ﴿ تُوعِدُونَ ﴾ محذوف. قوله: (بأخذ ثيابهم) ورد أنهم كانوا يجلسون على الطريق، ويقولون لمن يريد شعيباً: إنه كذاب ارجع لا يفتنك عن دينك، فإن آمنت به قتلناك. قوله: ﴿ مَنْ آمَنَ ﴾ هذا مفعول: ﴿ تَصُدُّونَ ﴾.
قوله: (تطلبون الطريق) أي المعبر عنه بالسبيل، وهو الطريق المعنوي الذي هو الذين، والمعنى تعدلوا عن الصراط المستقيم إلى الاعوجاج. قوله: ﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ ﴾ ﴿ إِذْ ﴾ ظرف معمول لقوله: ﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ ﴾ أي اذكروا وقت كونكم وقت كونكم قليلاً إلخ، والمراد اذكروا تلك النعمة العظيمة. قوله: ﴿ قَلِيلاً ﴾ أي في العدة والعدد والضعف، وقوله: ﴿ فَكَثَّرَكُمْ ﴾ أي فزاد عددكم وقوتكم، فكانوا أغنياء أقوياء ذوي عدد كثير بوجوب شعيب بينهم، ولذا لما فر موسى هارباً من فرعون، نزل عند شعيب فطمأنه وأمن روعه، قال تعالى حكاية عن شعيب:﴿ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾[القصص: ٢٥].
قوله: ﴿ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ أي وأقربهم إليكم قوم لوط، فانظروا ما نزل بهم. قوله: ﴿ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ ﴾ في الكلام الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، والتقدير وطائفة منكم لم يؤمنوا بالذي أرسلت به. قوله: ﴿ فَٱصْبِرُواْ ﴾ يجوز أن يكون الضمير للمؤمنين من قومه، وأن يكون للكافرين منهم، وأن يكون للفريقين وهذا هو الظاهر، فأمر المؤمنين بالصبر ليحصل لهم الظفر والغلبة، والكافرين بالصبر لسوء عاقبة أمرهم، وهو نظير قوله تعالى:﴿ فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ ﴾[التوبة: ٥٢].
قوله: (وبينكم) لا حاجة له، لأن الضمير عائد على شعيب وعليهم، والمعنى حتى يقضي الله بين الفريقين المؤمنين والكفار. قوله: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ ﴾ التعبير باسم التفضيل، باعتبار أنه الحاكم حقيقة، وغيره حاكم مجازاً، ومن كان له الحكم بالأصالة والحقيقة، خير ممن كان له الحكم مجازاً.


الصفحة التالية
Icon