قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ ﴾ شروع في ذكر نعم أخرى لبني إسرائيل قابلوها بقبائح عظيمة، وصدر الجملة بالقسم زيادة في الرد عليهم، قوله: ﴿ وَقَفَّيْنَا ﴾ من التقفية وهي المشي خلف القفا أطلق، وأريد به مطلق الإتباع. قوله: ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ يحتمل أن الضمير عائد على موسى أو الكتاب. قوله: (أي أتبعناهم رسولاً في أثر رسول) ظاهره أنه لا يجتمع رسولان في زمن واحد، وليس كذلك، فإن زكريا ويحيى كانا في زمن واحد، وكذا داود وسليمان، وورد أنهم قتلوا سبعين نبياً في يوم واحد واقاموا سوقهم، وأجيب بأن مراد التبع في العمل بالتوراة، فكل الأنبياء الذين بين موسى وعيسى يعملون بالتوراة بوحي من الله لا تقليداً لموسى. إذا علمت ذلك، فالمناسب للمفسر أن يقول أي أتبعنا بعضهم بعضاً في العمل بالتوراة كانوا في زمن واحد أو لا، وقوله بالرسل مراده ما يشمل الأنبياء وعدة الأنبياء والرسل الذين بين موسى وعيسى سبعون ألفاً وقيل أربعة آلاف. قوله: ﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ﴾ معطوف على آتينا موسى وخصه بالذكر، وإن كان داخلاً في قوله: (وقفينا من بعده بالرسل) لعظم شرفه ومزيته، ولكون رسولاً مستقلاً بشرع يخصه لأنه نسخ بعض ما في التوراة، وللرد على اليهود حيث ادعوا أنهم قتلوه، وعيسى لغة عبراينة معناه السبوح. قوله: ﴿ ٱبْنَ مَرْيَمَ ﴾ معنى مريم خادمة لله، وفي اصطلاح العرب المرأة التي تكره مخالطة الرجال. قوله: ﴿ ٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ أل للعهد أي المعجزات المعهودة له. قوله: (وإبراء الأكمة) هو من ولد أعمى. قوله: (أي الروح القدس) أي المطهرة. قوله: (جبريل) وجه تسميته روحاً أن الروح جسم نوراني به حياة الأبدان، وجبريل جسم نوراني به حاية القلوب. قول: (لطهارته) أي من المعاصي والمخالفات والأقدار، وقد مدحه الله بقوله تعالى:﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾[الحاقة: ٤٠] الآية. قوله: (يسير معه حيث سار) أي ولم يزل معه حتى رفعه إلى السماء. قوله: (فلم تستقيموا) قدره المفسر لعطف قوله أفكلما جاءكم رسول عليه. قوله: ﴿ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ ﴾ ماضية هوى من باب تعب وضرب، سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه إلى النار، وهو تذكير للفروع بقبائح أصولهم. قوله: ﴿ ٱسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ السين زائدة والتقدير تكبرتم كلما جاءكم رسول بالذي لا تحبه أنفسكم. قوله: (والمراد به التوبيخ) أي اللوم والتقريع عليهم. قوله: ﴿ فَفَرِيقاً ﴾ معمول لكذبتم وقدم مراعاة للفواصل، وقدم التكذيب على القتل من أن القتل أشنع لأن التكذيب مبدأ القتل. قوله: (كعيسى) أي كذبوه ولم يتمكنوا من قتله بل رفعه الله إلى السماء. قوله: (المضارع لحكاية الحال الماضية) أي فنزل وقوعه منهم فيما مضى منزلة وقوعه الآن استعظاماً له. قوله: (كزكريا) أي حيث نشروه حين هرب منهم وأوى إلى شجرة أثل فانفتحت له ودخلها. قوله: (ويحيى) أي قتلوه من أجل امرأة فاجرة، أراد محرمها التزوج بها فمعنه من ذلك. قوله: ﴿ وَقَالُواْ ﴾ أي الموجودون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أي مغشاة بأغطية) أي حسية. قوله: ﴿ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ﴾ المراد بالقلة الإستبعاد أي فايمانهم مستبعد لطرد الله إياهم عن رحمته وسبق شقاوتهم، ويحتمل أن تبقى القلة على بابها، أي فمن آمن منهم قليل كعبد الله بن سلام وأضرابه، ويحتمل أن القلة باعتبار الزمن أي أن الزمن الذي يؤمنون فيه قليل جداً، قال تعالى:﴿ وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ ﴾[آل عمران: ٧٢].
قوله: ﴿ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ ﴾ هذه الجملة من تعلقات الجملة التي قبلها، وكل منهما حكاية عن اليهود الذين كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم، وقوله من عند الله صفة أولى لكتاب، وقوله مصدق صفة ثانية له وجملة وكانوا من قبل حال من الضمير في جاءهم. قوله: ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ مبني على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه. قوله: (يستنصرون) السين والتاء للطلب. قوله: (وهو بعثة النبي) في الحقيقة بعثة النبي والكتاب. قوله: (دل عليه جواب الثانية) أي والأصل ولما جاءكم كتاب من عند الله مصدق لما معهم كفروا بذلك الكتاب وكانوا يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا وهو النبي الكريم كفروا به، فبين الجملتين تغاير لفظاً وإن كان بينهما تلازم معنى.