قوله: ﴿ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا ﴾ قال أهل التفسير: لما جاء موسى لميقات ربه، تطهر طهر ثيابه وصام، ثم أتى طور سيناء، فأنزل الله ظلة غشيت الجبل على أربع فراسخ من كل ناحية، وطرد عنه الشيطان وهو أم الأرض، ونحى عنه المكلفين، وكشط له السماء، فرأى الملائكة قياماً في الهواء، ورأى العرش بارزاً، وأدناه ربه حتى سمع صريف الأقلام على الألواح وكلمه وكان جبريل معه، فلم يسمع ذلك الكلام، فاستحلى موسى كلام ربه، فاشتاق إلى رؤيته، فقال: ﴿ رَبِّ أَرِنِيۤ ﴾ الخ. قوله: (أي للوقت) أي وكان يوم الخميس يوم عرفة، فكلمه الله فيه وأعطاه التوراة صبيحة يوم الجمعة يوم النحر. قوله: ﴿ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ أي أزال الحجاب عنه، حتى سمع كلامه بجميع أجزائه من جميع جهاته، لا أن الله أنشأ له الكلام، لأن الله سبحانه تعالى دائماً متكلم يستحيل عليه السكوت والآفة، ولم يصل لنا معنى ما فهمه موسى من تلك المكالمة. قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ ﴾ لما سمع الكلام هام واشتاق إلى رؤية الذات، فسأل الله أن يزيل عنه حجاب البصر، كما أزال الله عنه حجاب السمع، إذ لا فرق بين الحاستين، فقد سأل جائزاً لأن كل من جاز سماع كلامه جازت رؤية ذاته. قوله: (نفسك) قدره إشارة إلى أن مفعول أرني محذوف. قوله: ﴿ أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ جواب الشرط، ولا يقال إن الشرط قد اتحد مع الجواب، لأن المعنى هيئني لرؤيتك زمكني منها، فإن تفعل بي ذلك أنظر إليك. قوله: ﴿ لَن تَرَانِي ﴾ أي لا طاقة لك على رؤيتي في الدنيا، وهذا لا يقتضي أنها مستحيلة عقلاً، وإلا لما علقت على جائز وهو استقرار الجبل. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ﴾ هذا من تنزلات الحق لموسى، وتسلية له على ما فاته من الرؤية، وهذا الجبل كان أعظم الجبال واسمه زبير. قوله: (الذي هو أقوى منك) أي فحجبه عن الرؤية رحمة به، لعدم طاقة الجبل على ذلك فضلاً عن موسى. قوله: (أي ظهر من نوره) أي نور جلال عرشه، وفي رواية أمر الله الملائكة السماوات السبع بحمل عرشه، فلما بدا نور عرشه، انصدع الجبل من عظمة الرب سبحانه وتعالى. قوله: (نصف أنملة الخنصر) في رواية منخر الثور، وفي رواية قدر سم الخياط، وفي رواية قدر الدرهم. قوله: (بالقصر والمد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (مستويا بالأرض) أي بعد أن كان علياً مرتفعاً، وقيل تفرق ستة أجبل، فوقع ثلاثة بالمدينة وهي أحد وورقان ورضوى، وثلاث بمكة: ثبير وثور وحراء. قوله: ﴿ وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً ﴾ أي سقط مغشياً عليه ذاهباً عن حواسه، ولذا لا يصعق عند النفحة. قوله: ﴿ فَلَمَّآ أَفَاقَ ﴾ أي برد حواسه. قوله: (من سؤال ما لم أؤمر به) أي وليس المراد طلب الرؤية معصية، وإنما هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: (في زماني) دفع بذلك ما يقال: إن قبله من المؤمنين كثيراً من الأنبياء والأمم، وفي القصة أن موسى عليه السلام، كان بعدما رجع من المكالمة، لا يستطيع أحد أن ينظر إليه لما غشي وجهه من النور، ولم يزل على وجهه برقع حتى مات، وقالت له زوجته أنا لم أرك منذ كلمك ربك، فكشف لها عن وجهه، فأخذها مثل شعاع الشمس، فوضعت يدها على وجهها وخرجت ساجدة، وقالت: ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة، قال ذلك لك إن لم تتزوجي بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها، ورد أيضاً أنه مكث زمناً طويلاً كلما سمع كلام الناس تقايأ. قوله: ﴿ قَالَ يٰمُوسَىٰ ﴾ هذا تسلية على ما قاله من الرؤية. قوله: (أهل زمانك) دفع بذلك ما يقال: إن من جملة الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم الخليل، فيقتضي أنه مختار عليهما، فأجاب: بأن المراد بالناس أهل زمانه أنبياء أو غيرهم، ولذلك كانت أنبياء بني إسرائيل يتعبدون بالتوراة. قوله: (بالجمع) أي باعتبار تعدد الأحكام الموحى بها. قوله: (والأفراد) أي مراداً بها المعنى المصدري أي إرسالي، وهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ وَبِكَلاَمِي ﴾ اسم مصدر بمعنى التكليم، أي تكليمي إياك مباشرة بلا واسطة، ويصح أن يراد بالكلام التوراة، كما يقال للقرآن كلام الله، يقال للتوراة أيضاً كلام الله، لأنها أفضل كتاب أنزل من السماء بعد القرآن. قوله: (لأنعمي) جمع نعمة ويجمع أيضاً على نعم.