قوله: ﴿ سَبْعِينَ رَجُلاً ﴾ أي من شيوخهم، روي أنه لم يجد إلا ستين شيخاً، فأوحى الله إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخاً، فأمرهم موسى عليه السلام أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم، ثم خرج بهم إلى الميقات هو طور سينا، فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عامود من الغمام حتى أحاط بالجبل ودخل موسى فيه، وقال للقوم: ادنوا، فدنوا حتى دخلوا في الغمام ووقعوا سجداً، وسمعوا الله وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه، فلما انكشف الغمام أقبلوا على موسى وقالوا:﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ ﴾[البقرة: ٥٥]، وهي المرادة بالرجفة هنا وماتوا يوماً وليلة، وسبب أخذ الصاعقة لهم سؤالهم الرؤية، وهذا قول غير ابن عباس، وقال ابن عباس: إن السبعين الذين سألوا الرؤية، غير السبعين الذين ذهبوا للشفاعة، فالأولى: أخذتهم الصاعقة بسبب سؤالهم الرؤية، والثانية: أخذتهم الرجفة بسبب معاشرتهم لمن عبدوا العجل وسكوتهم عليه، وإلى هذا القول يشير المفسر بقوله: (قال وهم غير الذين سألوا الرؤية) الخ. قوله: (ولم يزايلوا) أي لم يفارقوا قومهم. قوله: (وهم غير الذين سألوا الرؤية) أي لأنهم لم يكونوا في ذلك الميعاد، بل كانوا مع موسى حين أخذ التوراة، فلما سمعوا كلام الله لموسى أقبلوا عليه وقالوا: أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة. قوله: ﴿ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ ﴾ مفعول المشيئة محذوف تقديره إهلاكهم. قوله: (استفهام استعطاف) أي طلب العفو والرحمة من الله. قوله: (ابتلاؤك) أي اختبارك ليتبين المطيع من العاصي. قوله: ﴿ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ ﴾ اسم التفضيل ليس على بابه أو على بابه باعتبار أن الغفر ينسب لغيره تعالى لكونه سبباً، وهو الغافر الحقيقي. قوله: ﴿ وَٱكْتُبْ ﴾ أي حقق وأثبت، وهذا من جملة دعاء موسى، فأوله: ﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا ﴾ وآخره: ﴿ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ ﴾، وحينئذ فلا ينبغي جعل قوله: ﴿ وَٱكْتُبْ لَنَا ﴾ أول الربع. قوله: ﴿ هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ أي ما تحمد عاقبته، كالعافية والإيمان والمعرفة، وقوله: ﴿ وَفِي ٱلآخِرَةِ ﴾ (حسنة) أي وهي الجنة، وما احتوت عليه من اللقاء والمشاهدة. قوله: ﴿ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ ﴾ استئناف مسوق لتعليل الدعاء، أي لأننا ﴿ هُدْنَـآ إِلَيْكَ ﴾ أي رجعنا، من هاد يهود، إذا رجع، ولذلك سميت اليهود بذلك، وكان اسم مدح قبل نسخ شريعتهم، وبعد ذلك صار ذماً. قوله: ﴿ قَالَ عَذَابِيۤ ﴾ جواب من الله لموسى. قوله: ﴿ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ ﴾ أي في الدنياـ كقتل الذين عبدوا العجل أنفسهم، وفي الآخرة بالنار لمن كفر. قوله: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ ورد أنه لما نزلت هذه الآية، فرح إبليس وقال: قد دخلت في رحمة الله، فلما نزل ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا ﴾ الخ أيس من ذلك، وفرحت اليهود وقالوا: نحن من المتقين الذين يؤتون الزكاة المؤمنين، فأخرجهم الله منها وأثبتها لهذه الأمة بقوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ﴾ الخ. قوله: (وفي الدنيا) أي فما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في الرحمة. قوله: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا ﴾ أي أثبتها. قوله: ﴿ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ أي يمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي. قوله: ﴿ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ ﴾ خصها بالذكر لمشتقها على النفوس، من حيث إن المال محبوب. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ﴾ أي بالإيمان به بعد بعثته، والعمل بشريعته، وورد أن الله قال لموسى: أجعل لك الأرض مسجداً وطهوراً تصلون حيث أدركتكم الصلاة، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهر قلب، يحفظها الرجل والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير، فقال موسى ذلك لقومه فقالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر قلب، ولا نقرؤها إلا نظراً، قال: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا ﴾ إلى قوله: ﴿ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ فجعل هذه الأمور لهذه الأمة. قوله: ﴿ ٱلأُمِّيَّ ﴾ أي الذي لا يقرأ ولا يكتب، نسب إما للأم لأنه باق على حالته التي ولد عليها، أو لأم القرى وهي مكة لكونه ولد بها. قوله: (باسمه وصفته) أي من كونه محمداً ولد بمكة، وهاجر إلى المدينة، يقبل الهدية، ويرد الصدقة، وهكذا من أوصافه وأخلاقه العظيمة، قال الخميس في تاريخه: إن محمداً مذكور في التوراة باللغة السريانية بلفظ المنحمنا، بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء وكسر الميم الثانية وبعدها نون مشددة بعدها ألف، ومعناه محمد، وذكر الحسن عن كعب الأحبار، أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنة عبد الكريم، وعند أهل النار عبد الجبار، وعند أهل العرش عبد المجيد، وعند سائر الملائكة عبد الحميد، وعند الأنبياء عبد الوهاب، وعند الشياطين عبد القاهر، وعند الجن عبد الرحيم، وفي الجبال عبد الخالق، وفي البر عبد القادر، وفي البحر عب المهيمن، وعند الهوام عبد الغياث، وعند الوحوش عبد الرزاق، وفي التوراة موذموذ، وفي الإنجيل طاب طاب، وفي الصحف عاقب، وفي الزبر فاروق، وعند الله طه ومحمد صلى الله عليه وسلم ا هـ بحروفه قوله: ﴿ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ ﴾ الخ هذا وما بعده إلى ﴿ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ من جملة أوصافه المكتوبة في التوراة والإنجيل. قوله: (مما حرم في شرعهم) أي وهي لحوم الإبل وشحم الغنم والمعز والبقر. قوله: (من الميتة ونحوها) أي كالدم ولحم الخنزير. قوله: (كقتل النفس) أي وتعيين القصاص في القتل، وتحريم أخذ الدية، وترك العمل يوم السبت، وكون صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس، ونحو ذلك من الأمور الشاقة التي كلفوا بها، وتسميتها أغلالاً، لأن التحريم يمنع من الفعل، كما أن الأغلال تمنع منه. قوله: (وقروه) أي عظموه. قوله: ﴿ وَنَصَرُوهُ ﴾ أي أيدوه. قوله: ﴿ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ ﴾ أي مقارناً لزمانه ومصحوباً به. قوله: (أي القرآن) تفسير للنور، سمي القرآن بذلك، لأنه ظاهر في نفسه مظهر لغيره، يهدي من الضلال المعنوي، كما أن النور يهدي من الضلال الحسي. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الموصوفون بهذه الصفات، فائزون ظافرون بالنجاة من الأهوال، دنياً وأخرى.