قوله: ﴿ وَسْئَلْهُمْ ﴾ أي اليهود الذين في المدينة، وسبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوبخ اليهود على كفرهم، ويقول لهم أنتم قد تبعتم أصولكم في الكفر بأنبيائهم، فكانوا يقولون إن أصولنا لم تقع منهم مخالفة لربهم، ولا كفر بأنبيائهم، وكانوا يعرفون ما وقع لهذه القرية ويخفونه، ويعتقدون أنه لا علم لأحد غيرهم به، فنزلت الآية، فقصها رسول الله عليهم فبهتوا. إن قلت: إن السورة مكية، وهذا خطاب لأهل المدينة، فالجواب أنها مكية ما عدا تلك الآيات الثمانية التي أولها: ﴿ وَسْئَلْهُمْ ﴾ الخ فإنها مدنية كما تقدم. قوله: (توبيخاً) أي تقريعاً وتبكيتاً. قوله: ﴿ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ﴾ أي أهلها. وقوله: (مجاورة لبحر القلزم) أي عند العقبة بجانب القلعة. قوله: ﴿ إِذْ يَعْدُونَ ﴾ أي يتعدون الحدود، وكانوا في زمن داود عليه السلام، وسبب نهيهم عن الصوم يوم السبت، أن الله أمرهم على لسان داود، أن يتخذوا يوم الجمعة عيداً ينقطعون فيه لعبادة الله، فكرهوا ذلك واختاروا السبت، ومعناه في اللغة القطع، فهو إشارة إلى أنهم منقطعون عن كل خير، فلما شددوا امتحنهم الله بأن حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، وأحله لهم باقي الأسبوع، فكانوا يوم السبت يجدون السمك متراكماً، وباقي الجمعة لم يجدوا منه شيئاً، ثم إن إبليس علمهم أن يصنعوا جداول البحر يوم السبت، فإذا جاء العصر وملئت الجداول بالسمك سدوا عليه وأخذوه يوم الأحد فافترقت القرية ثلاث فرق، وكانوا سبعين ألفاً، ففرقة اصطادوا، وفرقة نهتهم وضربوا بينهم وبينهم سوراً، وفرقة لم تصد ولم تنه، فبعد أيام قلائل، مسخ من اصطاد قردة وخنازير، مكثوا ثلاثة أيام وماتوا، وأنجى الله الفرقة الناهية، والفرقة الثالثة وقع فيها خلاف بالإنجاء والإهلاك؛ والصحيح نجاتهم. قوله: ﴿ حِيتَانُهُمْ ﴾ جمع حوت، وأصل حيتان حوتان، وقعة الواو ساكنة بعد كسرة قلبت ياء. قوله: ﴿ شُرَّعاً ﴾ حال من فاعل ﴿ تَأْتِيهِمْ ﴾، أي قريبة من الساحل. قوله: ﴿ وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ ﴾ أي لا يكون يوم سبت، والمعنى تأتيهم حيتانهم يوم السبت ظاهرة وغير يوم السبت لا تأتيهم، ولما كانت العبارة موهمة، قال المفسر أي سائر الأيام، أي باقيها. قوله: (ابتلاء من الله) علة لقوله: ﴿ تَأْتِيهِمْ ﴾ وقوله: ﴿ لاَ تَأْتِيهِمْ ﴾.
قوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي الابتلاء المتقدم. قوله: ﴿ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ أي يتجاوزون الحد. قوله: (ثلث صادوا معهم) المناسب حذف قوله معهم. قوله: (عطف على إذ قبله) أي وهو: ﴿ إِذْ يَعْدُونَ ﴾.
قوله: ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ﴾ إنما قصدوا بذلك اللوم على الناهين، حيث وعظوهم فلم يقبلوا منهم. قوله: ﴿ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ أو مانعة خلو تجوز الجمع، والمعنى مهلكهم في الدنيا، ومعذبهم في الآخرة. قوله: ﴿ قَالُواْ مَعْذِرَةً ﴾ قدر المفسر موعظتنا، إشارة إلى أن ﴿ مَعْذِرَةً ﴾ خبر لمحذوف، وفي قراءة النصب على المفعول من أجله، أي وعظناهم لأجل المعذرة. قوله: (لئلا ننسب إلى تقصير) أشار بذلك إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عليهم، ولذا ورد أنه مجمع عليه في جميع الشرائع. قوله: ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ إشارة إلى أنهم ظانون إفادة الموعظة، وهو عطف على المعنى، إذ التقدير موعظتنا للاعتذار: ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon