قوله: ﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ ﴾ خطاب للنبي وأصحابه، نزلت بعد غزوة بدر. قوله: ﴿ مُّسْتَضْعَفُونَ ﴾ أي مظهرون الضعف لعدم أمركم بالقتال. قوله: (الغنائم) أي فلما هاجروا وأمروا بالقتال، تركوا التجارة وصار رزقهم من الغنائم، وفي الحديث:" جعل رزقي تحت ظل رمحي "قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أي فتزدادوا من النعم، لأن بالشكر تزداد النعم، قال تعالى:﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[إبراهيم: ٧].
قوله: (ونزل في أبي لبابة) اسمه مروان كما في بعض النسخ، وقيل رفاعة. قوله: (وقد بعثه) إلخ حاصل قصته:" أن رسول الله حاصر قريظة خمساً وعشرين ليلة، وقيل خمسة عشر، وقيل بضعة عشر يوماً، فلما اشتد عليهم الأمر، قام عليهم رئيسهم كعب بن أسد، وعرض عليهم الإيمان، فقال: يا معشر اليهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني أعرض عليكم خصالاً ثلاثاً، فخذوا أيها شئتم، قالوا: وما هي؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، فأبوا، فقال: هلم نقتل أبناءنا ونسائنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه، رجالاً مجردين السيوف من أغمادها، ولم نترك وراءنا ثقلاً، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فقالوا: أي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا؟ فقال: إن هذه الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا نصيب منهم غزوة، فقالوا: نفسد سبتنا، وقد علمت مسخ من خالف السبت، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث لنا أبا لبابة نستثيره في أمرنا فأرسله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، وفزع النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال نعم، وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح، فقال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله، ثم انطلق وسلك طريقاً أخرى، فلم يأتِ رسول الله حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح من مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، فلما بلغ خبره رسول الله وقد استبطأه قال: أما جاءني لاستغفرت له، وأما إذا فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه، فأقام أبو لبابة مرتبطاً بالجذع ست ليال، وقيل بضعة عشر ليلة، حتى ذهب سمعه وكاد يذهب بصره، وكانت امرأته تأتيه في وقت كل صلاة، فتحله للصلاة ثم تربطه، ثم نزلت توبته في بيت أم سلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سحراً، فقام يضحك، فقالت أم سلمة: مم تضحك أضحك الله سنك؟ قال: تِيب على أبي لبابة، قالت: أفلا أبشره، يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت، فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك، فتسارع إليه الناس ليطلقوه، فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده، فلما أصبح الصبح أطلقه فلما اشتد الحصار على بني قريظة، أطاعوا وانقادوا أن ينزلوا على حكم رسول الله، فحكم فيهم سعد بن معاذ وكان في خيمة في المسجد الشريف لآمرأة من أسلم يقال لها رفيدة، وكانت تداوي الجرحى حسبة، فأتي به، فلما حضر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا لسيدكم، فقاموا إليه، فقالوا: إن رسول الله ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: إني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبي الذراري والنساء، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة "، والرقيع السماء، ففعل بهم كما قال سعد.