قوله: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ﴾ إذ ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (اذكر) وهذا تذكير لنعمة الله على نبيه، إثر تذكير نعمة الله على المؤمنين بقوله:﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾[الأنفال: ٢٦].
والمكر الاحتيال على إيصال الضر للغير. وحاصل ذلك: أن قريشاً عرفوا لما أسلم الأنصار، أن أمر رسول الله يتفاخم ويظهر، فاجتمع نفر من كبار قريش في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رؤساؤهم: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل، وأبو سفيان، وطعمة بن عدي، والنضر بن الحرث، وأبو البحتري بن هشام، وزمعة بن الأسود، فجاءهم إبليس في صورة شيخ نجدي، فلما رأوه قالوا له: من أنت؟ قال: أنا شيخ من نجد، سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً، فقالوا له: ادخل فدخل، فقال أبو البحتري: أما أنا فأرى أن تأخذوا محمداً وتحبسوه في بيت مقيداً، وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون منها طعامه وشرابه حتى يهلك، فصرخ ذلك الشيخ النجدي وقال: بئس الرأي، إن أصحابه يقاتلونكم ويخرجونه قهراً عليكم، فقالوا: صدق الشيخ النجدي فقال هشام بن عمرو: إني أرى أن تحملوه على بعير فتخرجوه من بين أظهركم، فلا يضركم ما صنع، فقال الشيخ النجدي: ما هذا برأي، تعمدون إلى رجل قد اتبعه سفهاؤكم، فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم، ألم تروا إلى حلاوة منطقه وطلاقة لسانه، لئن فعلتم ذلك، يذهب ويستميل قلوب آخرين، فيسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم، فقال أبو جهل: إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شاباً نسيباً، ويعطى كل شاب سيفاً صارماً، ثم يضربونه به ضربة واحدة، فإذا قتل تفرق دمه في القبائل، ولا أظن أن هذا الحي من بني هاشم، يقوون على حرب قريش كلها، غايته يطلبون ديته وهو أمر سهل، فقال إبليس: إنه أجودكم رأياً فتفرقوا على ذلك، فأتى جبريل وأخبر رسول الله بذلك، وبأن الله أذن له في الخروج إلى المدينة، فلما كان الليل، اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام، فأمر رسول الله علياً أن يبيت بمضجعه، وقال له: تسج ببردتي، فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وقد أخذ أبصارهم، فلم يره منهم أحد، ونثر على رؤوسهم التراب وهو يتلو قول تعالى﴿ يسۤ ﴾[ يس: ١] إلى قوله:﴿ فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾[يس: ٩] ثم أتاهم آت فقال لهم: إن محمداً خرج عليكم ووضع التراب على رؤوسكم، فما من رجل منهم أصابه ذلك التراب، إلا قتل يوم بدر كافراً. قوله: (بدار الندوة) أي بالدار التي يقع فيها الحديث والاجتماع، وهي أول دار بنيت بمكة، فلما حج معاوية، اشتراها من الزبير العبدري بمائة الف درهم، ثم صارت كلها بالمسجد الحرام، وهي في جانبه الشمالي. قوله: ﴿ لِيُثْبِتُوكَ ﴾ هذا إشارة لرأي أبي البحتري. قوله: ﴿ أَوْ يَقْتُلُوكَ ﴾ أي شبان القبائل كلهم قتلة رجل واحد، وهو إشارة لرأي أبي جهل. قوله: ﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ هو إشارة لرأي هشام بن عمرو. قوله: ﴿ وَيَمْكُرُونَ ﴾ (بك) أي يحتالون ويتدبرون في أمرك. قوله: (بتدبير أمرك) جواب عما يقال: إن حقيقة المكر محالة على الله تعالى، لأنه الاحتيال على الشيء من أجل حصول العجز عنه، وأجيب أيضاً: بأن المراد يمكر الله، معاملته لهم معاملة الماكر، حيث خيب سعيهم وضيع أملهم، أو المراد جازاهم على مكرهم، فسمى الجزاء مكراً لأنه في مقابلته. قوله: (أعلمهم به) دفع بذلك ما يقال: إن المكر لا خير فيه، وأجيب أيضاً: بأن اسم التفضيل ليس على بابه. قوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ هذا من جملة قبائح أهل مكة. قوله: ﴿ مِثْلَ هَـٰذَا ﴾ تنازعه كل من سمعنا وقلنا. قوله: (الحيرة) بلدة بقرب الكوفة. قوله: (اخبار الأعاجم) أي كالفرس والروم قوله: ﴿ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ﴾ جمع اسطورة، كأكاذيب جمع أكذوبة وزنا ومعنى، وقد رد الله عليهم تلك المقالة بقوله تعالى:﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ ﴾[هود: ١٣]، وقال أيضاً﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾[يونس: ٣٨]، فعجزوا عن ذلك وقال البوصيري: سور منه أشبهت صورا   منا ومثل النظائر النظراءقوله: ﴿ وَإِذْ قَالُواْ ﴾ هذا من جملة قبائحهم الشنيعة. قوله: ﴿ هُوَ ٱلْحَقَّ ﴾ القراء السبعة على نصب الحق خبراً لكان، وهو ضمير فصل لا محل له من الإعراب، وقرىء شذوذاً برفعه على أنه خبر للضمير، والجملة خبر لكان. قوله: ﴿ مِنْ عِندِكَ ﴾ حال من الحق. قوله: ﴿ حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ أي من سجيل مسومة كما أرسلتها على اصحاب الفيل. قوله: ﴿ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ أي كالصيحة والخسف. قوله: (قاله النضر) أي ابن الحرث، وقوله: (وغيره) أي وهو أبو الجهل، ولا مانع من أن كلا قال ذلك. قوله: (استهزاء) أي سخرية به صلى الله عليه وسلم. قوله: (وإيهاماً أنه على بصيرة) أي لأن اصعب الأيمان الدعاء على النفس.


الصفحة التالية
Icon