قوله: ﴿ إِلاَّ مُكَآءً ﴾ استثناء من الصلاة على حسب زعمهم، حيث أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة، فالإستثناء زيادة في التشنيع عليهم. قوله: (صفيراً) أي فكان الواحد منهم يشبك اصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى ويضمها وينفخ فيهما، فيظهر من ذلك صوت. قوله: (تصفيقاً) أي ضرباً بأحدى اليدين على الأخرى. قوله: (أي جعلوا ذلك) إلخ، جواب عما يقال: إن المكاء والتصدية ليسا من جنس الصلاة، فكيف يصح استثناؤهما منها؟ فأجاب بأنهم كانوا يعتقدون أنهما من جنسها، فجرى الاستثناء على معتقدهم، كانوا يفعلون ذلك حين يشتغل النبي والمؤمنون بالصلاة وقراءة القرآن، كما حكى الله عنهم بقوله:﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ ﴾[فصلت: ٢٦].
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ نزلت في كفار مكة، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن المشاهد في الكفار ذلك إلى يوم القيامة. قوله: ﴿ فَسَيُنفِقُونَهَا ﴾ أي يعلمون عاقبة إنفاقها. قوله: ﴿ ثُمَّ تَكُونُ ﴾ (في عاقبة الأمر) أي وهي عدم وصولهم لمقصودهم. قوله: ﴿ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾ التعبير بثم إشارة إلى أنهم يمهلون استدراجاً لهم، وزيادة حسرة لهم في العاقبة. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ جَمِيعاً ﴾ إما حال من الهاء في ﴿ فَيَرْكُمَهُ ﴾ أو توكيدها لها. قوله: (يجمعه متراكماً بعضه على بعض) ظاهر الآية أن هذا الجمع قبل دخولهم النار، وحينئذ فيكون بياناً لحالهم في الموقف كما تقدم أنه يكون سبعون الف قدم على قدم. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ ﴾ أي الخائبون في الدنيا وفي الآخرة. قوله: ﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الكفار ما ذكر. قوله: (كأبي سفيان وأصحابه) إنما خصهم لأنهم هم الباقون من كفار مكة، لأن الآية نزلت بعد بدر، وفيها قتل من قتل من صناديدهم، وبقي من بقي، فالخطاب لمن بقي. قوله: ﴿ إِن يَنتَهُواْ ﴾ (عن الكفر) أي بأن ينطقوا بالشهادتين صادقين مصدقين، فكلمة التوحيد سبب للانتقال من ديوان الأشقياء لديوان السعداء إذا علمت أن هذا الفضل لمن سبق له الكفر، فما بلك بمن لم يسبق له الكفر وعاش مؤمناً ومات كذلك، قال السنوسي: فعلى العاقل أن يكثر من ذكرها مستحضراً لما احتوت عليه المعاني، حتى تمتزج مع معناها بلحمه ودمه، فإنه يرى لها من الأسرار والعجائب ما لا يدخل تحت حصر. قوله: (من أعمالهم) أي السيئة وأعظمها الكفر. قوله: ﴿ وَإِنْ يَعُودُواْ ﴾ وأصل العود الرجوع عن الشيء بعد التلبس به، وحينئذ فيكون المعنى وإن يرتدوا عن الإسلام بعد تلبسهم به، ويصح أن يفسر العود بالاستمرار على الكفر. قوله: ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ ﴾ أي كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ممن هلك، إن قلت: إن هؤلاء قد أصابهم الهلاك العام، وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فمحفوظة منه. وأجيب: بأن التشبيه في مطلق هلاك، وإن كان ما سبق عاماً وهذا خاص، والأقرب أن يراد بالأولين من سبق قبلهم من أولاد عمهم وأقاربهم ممن قتل ببدر، وجملة ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ ﴾ تعليل لمحذوف ولا يصلح للجواب، وتقدير الجواب: إن يعودوا نهلكهم كما أهلكنا الأولين.


الصفحة التالية
Icon