قوله: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ ﴾ رد على العباس وغيره كما يأتي للمفسر، حيث افتخروا بذلك وقالوا إن هذا شرف لا يضاهى، والسقاية في الأصل هي المحل الذي يجعل في الشراب في الموسم، كانوا ينبذون الزبيب في ماء زمزم ويسقونه الناس أيام الحج، وكان الفاعل لذلك العباس في الجاهلية، واستمرت معه السقاية في الإسلام، فهي لآل العباس أبداً. قوله: (أي أهل ذلك) أشار بذلك إلى أن في الكلام حذف مضاف، والتقدير أجعلتم أهل سقاية الحاج إلخ، وقد دفع بذلك ما يقال: كيف يشبه المعنى، وهو السقاية بالذات، وهو من آمن. قوله: ﴿ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ (في الفضل) أي الأخروي، لأن فضل أهل السقاية والعمارة دنيوي. قوله: (أو غيره) أو بمعنى الواو، لأن أهل مكة كانوا يفتخرون بذلك، ويزعمون أن هذا فخر لا يضاهى. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي اتصفوا بالإيمان، وما عطف عليه وهو الهجرة والجهاد. قوله: (من غيرهم) يدخل فيه أهل السقاية والعمارة من الكفار، فمقتضاه أن لهم درجة لكنها ليست أعظم، والجواب: أن ذلك إما باعتبار ما يعتقدونه من أن لهم درجة ورتبة، أو اسم التفضيل باعتبار المؤمنين الذين لم يستكملوا الأوصاف الثلاثة. قوله: ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ ﴾ أي الكاملون في الفوز، بالنسبة للمؤمن الذي لم يستكمل الأوصاف الثلاثة، أو المراد الذي لهم أصل الفوز بالنسبة لأهل السقاية والعمارة. قوله: ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ ﴾ إلخ. ذكر الله سبحانه وتعالى ثلاثة أشياء، جزاء على الصفات الثلاثة، فالرحمة في مقابلة الإيمان لتوقف الرحمة عليه، والرضوان في مقابلة الجهاد، لأنه بذل الأموال والأنفس في مرضاة الله، والرضوان نهاية الإحسان، فكان في مقابلته، والجنة في مقابلة الهجرة، لأن الهجرة ترك الأوطان، فبدلوا وطناً في الآخرة أعلى وأجل مما تركوه، وإنما قدمت الرحمة والرضوان، إشارة إلى أنهما يكونان في الدنيا والآخرة، وأخرت الجنة إشارة إلى أنه مختصة بالآخرة، ولأنها آخر العطايا. قوله: (حال مقدرة) أي لأنهم حين الدخول ليسوا خالدين، وإنما هم منتظرون. قوله: (ونزل فيمن ترك الهجرة) قال ابن عباس: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالهجرة إلى المدينة، فمنهم من تعلق به أهله وأولاده يقولون: ننشدكم بالله أن لا تضيعنا، فيرق لهم فيقيم عليهم ويدع الهجرة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.