قوله: ﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ ﴾ إلخ، هذا من تفصيل عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، و ﴿ عُزَيْرٌ ﴾ بالصرف وعدمه قراءتان سبعيتان، فالصرف على أنه عربي فلم توجد فيه إلا علة واحدة، وعدمه على أنه أعجمي ففيه العلتان و ﴿ ٱبْنُ ﴾ خبر عزير فيرسم بالألف لأنه ليس بصفة للعلم، وسبب تلك المقالة على ما قاله ابن عباس، أن عزيراً كان فيهم، وكانت التوراة عندهم، والتابوت فيهم، فأضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق، فرفع الله عنهم التابوت، وأنساهم التوراة، ومسحها من صدورهم، فدعا الله عزير وابتهل إليه أن يرد إليه التوراة، فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله نزل نور من السماء فدخل جوفه فعادت إليه، فأذن في قومه وقال: يا قوم، قد آتاني الله التوراة وردها علي، فعلقوا به يعلمهم، ثم مكثوا ما شاء الله، ثم إن التابوت نزل بعد ذهابه منهم، فلما رأوا التابوت، عرضوا ما كان يعلمهم عزير على ما في التابوت فوجدوه مثله، فقالوا: ما أوتي عزير هذا، إلا لأنه ابن الله. قوله: ﴿ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ﴾ المسيح لقب له، إما لأنه ما مسح على ذي عاهة إلا برىء، أو لأنه ممسوح بالبركة، وسبب مقالتهم، أنهم كانوا على الدين الحق، بعد رفع عيسى عليه السلام إحدى وثمانين سنة، يصلون إلى القبلة ويصومون، حتى وقع بينهم وبين اليهود حرب، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولص، قتل جماعة من أصحاب عيسى عليه السلام، ثم قال بولص لليهود: إن كان الحق مع عيسى، فقد كفرنا والنار مصيرنا، فنحن مغبونون إن دخلنا النار ودخلوا الجنة، فإني سأحتال وأضله حتى يدخلوا النار معنا، ثم إنه عمد إلى فرس كان يقاتل عليه، فعرقبه وأظهر الندامة والتوبة ووضع التراب على رأسه، ثم إنه أتى إلى النصارى فقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عدوكم بولص، قد نوديت من السماء، أنه ليست لك توبة حتى تتنصر، وقد تبت وأتيتكم، فأدخلوه الكنيسة ونصروه، ودخل بيتنا فيها، فلم يخرج منه سنة حتى تعلم الإنجيل، ثم خرج وقال: قد نوديت أن الله قد قبل توبتك، فصدقوه وأحبوه وعلا شأنه فيهم، ثم إنه عهد إلى ثلاثة رجال، اسم واحد نسطورا، والآخر يعقوب والآخر ملكان، فعلم نسطورا أن عيسى ومريم آلهة ثلاثة، وعلم يعقوب أن عيسى ليس بإنسان، انه ابن الله، وعلم ملكان أن عيسى هو الله لم يزل، فلما تمكن ذلك فيهم، دعا كل واحد منهم في الخلوة وقال له: أنت خالصتي، وادع الناس لما علمتك، وأمره أن يذهب إلى ناحية من البلاد، ثم قال لهم: إني رأيت عيسى في المنام وقد رضي عني، وقال لكل واحد إني سأذبح نفسي تقرباً إلى عيسى، ثم ذهب إلى المذبح فذبح نفسه، وتفرق أولئك الثلاثة، فذهب واحد إلى الروم، وواحد إلى بيت المقدس، والآخر إلى ناحية أخرى، وأظهر كل واحد منهم مقالته، ودعا الناس إليها، فتبعه على ذلك طوائف من الناس، فتفرقوا واختلفوا. قوله: ﴿ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ من المعلوم أن القول لا يكون إلا بالأفواه، فذكرها مبالغة في الرد عليهم، قوله: ﴿ يُضَاهِئُونَ ﴾ بضم الهاء بعدها واو، وبكسر الهاء بعدها همزة مضمومة، ثم واو، قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ أي أبعدهم عن رحمته، فهو دعاء عليهم. قوله: ﴿ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾ استفهام تعجب، والاستفهام رجع إلى الخلق، لأن الله يستحيل عليه التعجب. قوله: ﴿ ٱتَّخَذُوۤاْ ﴾ أي اليهود والنصارى. قوله: ﴿ أَحْبَارَهُمْ ﴾ جمع حبر بالفتح والكسر، والثاني أفصح، العالم الماهر. قوله: (حيث اتبعوهم) أشار بذلك إلى أنهم لم يتخذهم أرباباً حقيقة، بل المعنى كالأرباب في شدة امتثالهم أمرهم. قوله: ﴿ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ ﴾ بالنصب على عطف على ﴿ أَحْبَارَهُمْ ﴾ والمفعول الثاني محذوف لدلالة ما قبله عليه تقديره ربا. قوله: ﴿ وَمَآ أُمِرُوۤاْ ﴾ إلخ، الجملة حالية. قوله: ﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ صفة ثانية لإلهاً. قوله: (شرعه وبراهينه) أي الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم، وهي ثلاثة أمور: أحدها المعجزات الظاهرات، ثانيها القرآن العظيم، ثالثها كون دينه الذي أمر باتباعه، وهو دين الإسلام، ليس فيه شيء سوى تعظيم الله والانقياد لأمره ونهيه، والتبري من كل معبود سواه، فهذه أمور نيرة واضحة في صحة نبوته صلى الله عليه وسلم، فمن أراد إبطال ذلك فقد خاب سعيه. قوله: ﴿ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ﴾ أي يعليه ويرفع شأنه. قوله: ﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: ولو كره الكافرون إتمامه لأتمه ولم يبال بهم.


الصفحة التالية
Icon