قوله: ﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ هذا بيان للمفاسد التي تترتب على خروجهم. إن قلت: إن مقتضى العتاب المتقدم أن خروجهم فيه مصلحة، ومقتضى ما هنا أن خروجهم مفسدة، فكيف الجمع بينهما؟ أجيب بأن خروجهم مفسدة عظيمة، وعتاب الله لنبيه، إنما هو على عدم التأني، حتى يظهر نفاقهم وفضيحتهم، وليس في خروجهم مصلحة أصلاً، كما علمت. قوله: ﴿ مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ يصح أن يكون استثناء منقطعاً، والمعنى ما زادوكم قوة ولكن خبالاً أو متصلاً من عموم الأحوال، والمعنى ما زادوكم شيئاً أصلاً إلا خبالاً. قوله: ﴿ ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ ﴾ الإيضاع في الأصل سرعة سير البعير، ثم استعير الإيضاع لسرعة الإفساد، ففي الكلام استعارة تبعية، حيث شبه سرعة الإفساد بسرعة سير الركائب، ثم اشتق منه أوضعوا بمعنى أسرعوا، وفي الخلال استعارة مكنية، حيث شبه الخلال بركائب تسرع في السير، وطوى ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه، وهو أوضعوا بمعنى أسرعوا فإثباته تخييل. قوله: ﴿ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ ﴾ حال من فاعل أوضعوا، والتقدير طالبين لكم الفتنة. قوله: ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ يحتمل أن يكون المراد جواسيس منهم يتسمعون لهم الأخبار منكم، ويحتمل أن يكون الضمير في فيكم، عائداً على المؤمنين، والمعنى أن في المؤمنين ضعفاء قلوب، يصغون إلى قول المنافقين بالتخذيل والإفساد، لظنهم صحة إيمانهم. قوله: ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي قبل هذه الغزوة، كالواقع من المنافقين في أحد وفي الأحزاب. قوله: ﴿ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ ﴾ أي استمروا على تقليب الأمور حتى إلخ. قوله: (وهو الجد بن قيس) وهو منافق عنيد، حتى أنه من قباحته امتنع من مبايعة رسول الله تحت الشجرة في بيعة الرضوان، واختفى تحت بطن ناقته. قوله: (في جلاد بني الأصفر) أي ضربهم بالسيوف، وفي نسخة جهاد، وهي ظاهرة، وبنو الأصفر هم ملوك الروم، أولاد الأصفر بن روم بن عيص بن إسحاق. قوله: (وقرىء سقط) أي بالإفراد مراعاة للفظ من، والضمير عائد على الجد بن قيس، وهي شاذة كما هي قاعدته.


الصفحة التالية
Icon