قوله: ﴿ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ ﴾ سبب نزولها: أن جماعة من المنافقين تكلموا في حقه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق، فقال بعضهم لبعض: كفوا عن ذلك الكلام لئلا يبلغه ذلك، فيقع لنا منه الضرر، فقال الجلاس، بضم الجيم وفتح اللام المخففة، ابن سويد: نقول ما شئنا، ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف فيصدقنا فيما نقول، فإنما محمد أذن. قوله: (أي يسمع كل ما قيل) أي من غير أن يتأمل فيه، ويميزنا باطنه من ظاهره، فقصدوا بذلك وصفه صلى الله عليه وسلم بالغفلة، لأنه كان لا يقابلهم بسوء أبداً، وتحمل أذاهم ويصفح عنهم، فحملوه على عدم التنبه والغفلة، وإنما كان يفعل ذلك رفقاً بهم، وتغافلاً عن عيوبهم، وفي تسميته إذناً مجاز مرسل، من إطلاق الجزء على الكل للمبالغة في استماعه، حتى صار كأنه هة آلة السماع، كما يسمى الجاسوس عيناً. قوله: ﴿ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ﴾ أي يسمع الخير، ولا يسمع الشر. قوله: ﴿ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ﴾ إلخ، هذا أيضاح لكونه أذن خير. قوله: (واللام زائدة) جواب عما يقال: لم زيدت اللام مع أن الإيمان يتعدى بالباء. فأجاب: بأنها زيدت للفرق بين إيمان التسليم وهو قوله: ﴿ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾، أي يسلم لهم قولهم ويصدقهم فيما يقولونه، وبين إيمان التصديق المقابل للكفر وهو قوله: وَ ﴿ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ﴾، أي يصدق بالله ويوحده. قوله: ﴿ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي أظهروا الإيمان منكم، وهذه الرحمة بمعنى الرفق بهم، وعدم كشف أسرارهم، لا بمعنى التصديق لهم، فإن رحمته في الدنيا عامة للبر والفاجر، وفي الاخرة مختصة بالبر دون الفاجر، إذ هي تابعة لرحمة الله تعالى وإحسانه. قوله: ﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ ﴾ أي يحلف المنافقون للمؤمنين، أنه ما وقع منهم الإيذاء للنبي، وقصدهم بذلك إرضار للمؤمنين ليذبوا عنهم، إذا أراد رسول الله أن يفتك بهم، وسبب نزولها: أنه اجتمع ناس من المنافقين، منهم الجلاس بن سويد، ووديعة بن ثابت، فوقعوا في رسول الله قالوا: إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن شر من الحمير، وكان عندهم غلام يقال له عامر بن قيس، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فدعاهم وسألهم، فأنكروا وحلفوا أن عامراً كذاب، وحلف عامر أنهم كذبوا، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عامر يدعو ويقول: اللهم صدق الصادق، وكذب الكاذب. قوله: (ما أتوه) أي ما فعلوه، وفي نسخة آذوه. قوله: ﴿ لِيُرْضُوكُمْ ﴾ علة لقوله: ﴿ يَحْلِفُونَ ﴾.
قوله: ﴿ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ الجملة حالية من ضمير يحلفون، والمعنى يحلفون لكم لإرضائكم، والحال أن الله ورسوله أحق بالإرضاء. قوله: ﴿ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه، أي فليرضوا الله ورسوله. قوله: (وتوحيد الضمير) إلخ، أشار المفسر لثلاثة أجوبة عن سؤال وارد على الآية حاصله أن لفظ الجلالة مبتدأ.
﴿ وَرَسُولُهُ ﴾ مبتدأ ثان معطوف عليه، وجملة ﴿ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ خبر، والضمير مفرد، وما قبله مثنى، فلم أفرد الضمير؟ فأجاب المفسر: بأنه أفرده، لأن الرضاءين واحد، لأن رضا رسول الله تابع لرضا الله ولازم له، فالكلام جملة واحدة، أو الجملة خبر عن رسوله، وحذف خبر لفظ الجلالة لدلالة ما بعده عليه، أو خبر عن لفظ الجلالة، وخبر رسوله محذوف، لدلالة ما قبله عليه، ففيه: إما الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، أو بالعكس. قوله: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ ﴾ الإستفهام للتوبيخ. قوله: ﴿ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ ﴾ من: شرطية مبتدأ، وقوله: ﴿ فَأَنَّ ﴾ إلخ خبر لمحذوف أي فحق أن له الخ، والجملة جواب الشرط، وجملة فعل الشرط وجوابه خبر ﴿ مَن ﴾، ومجموع اسم الشرط وفعله وجزائه خبر أن الأولى، وجملة أن الأولى من اسمها وخبرها، سدت مسد مفعولي يعلم. قوله: (جزاء) تمييز. قوله: ﴿ خَالِداً فِيهَا ﴾ حال مقدرة.