قوله: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ من اسم استفهام مبتدأ وأظلم خبره. قوله: (أي لا أحد أظلم) استشكل بأنه يقضتي أن من منع مساجد الله من ذكر اسمه فيها لم يساوه أحد في الظلم، فكيف ذلك مع قوله تعالى:﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾[الأنعام: ٢١]﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ ﴾[الكهف: ٥٧]﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ ﴾[الزمر: ٣٢] الآية، المقتضى كل آية منها أنه لا أحد أظلم ممن ذكر فيها، وأجيب بأن هؤلاء الموجودين في الآيات ظلمهم زائد عن غيرهم، وكون الظلم الواقع من بعضهم مساوياً للبعض الآخر أم لا شيء آخر تأمل، وأشار المفسر بقوله أي لا أحد أظلم إلى الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ مِمَّنْ مَّنَعَ ﴾ يتعدى لمفعولين الأول بنفسه وهو مساجد، والثاني قوله أن يذكر فهو في تأويل مصدر مجرور بمن، التقدير لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله من ذكر اسمه فيها، والمنع: إما بغلقها أو تعطيل الناس عنها أو تخريبها أو أكل ريعها أو التفريط في حقوقها، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: ﴿ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ ﴾ جمع مسجد سمي باسم السجود لأنه أشرف أركان الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ولأنه محل غاية الذل والخضوع لله عز وجل وإن كان القياس فتح عينه في المفرد لكنه لم يسمع إلا الكسر فالقراءة سنة متبعة. قوله: (بالصلاة والتسبيح) أشار بذلك إلى أن المراد بذكر اسم الله فيها ما يعم الصلاة وغيرها. قوله: (نزلت إلخ) هذا إشارة إلى بيان سبب نزولها. قوله: (إخبار عن الروم) أي قبل بعثة الرسول حين توجهت جيوش بختنصر مع نصارى الروم لتخريب بيت المقدس، وكان بختنصر مجوسياً من أهل بابل وذلك حين قتل بنو إسرائيل يحيى بن زكريا، ولم يزل كذلك حتى بناه المسلمون في خلافه عمر بن الخطاب. قوله: (عام الحديبية) أي وهو عام ست من الهجرة حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف وأربعمائة بقصد العمرة، قصده المشركون وهو بالحديبية فتحلل ورجع. قوله: ﴿ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ ﴾ المعنى ليس لهم دخولها يعني البيت أو بيت المقدس في حال من الأحوال إلا في حال كونهم خائفين. قوله: (خبر بمعنى الأمر) أي فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى وقوله أي أخيوفهم بالجهاد أي فالمراد من الآية أن الله كلفنا بقتالهم ومنعهم عن المسجد الحرام وبيت المقدس، قال تعالى:﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا ﴾[التوبة: ٢٨] فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بعد الفتح ينادي في الناس أن لا يطوف بالبيت عريان، وأن لا يحج بعد هذا العام مشرك، وفي خلافة عمرفتح الشام ومدينة بيت المقدس ومن المشركين من دخول بيت المقدس، ويحتمل أنه خبر لفظاً ومعنى فهو إخبار من الله بما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ومن عمر وهو الأقرب كما قال المفسرون، ويصح أن يكون المعنى ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخضوع فضلاً عن أن يجترئوا على تخريبها وقيل غير ذلك. قوله: (فلا يدخلها أحد آمناً) من ذلك اختلفت المذاهب في دخول الكافر المسجد فمنعه المالكية إلا لحاجة، وفصل الشافعية فقالوا إن أذن له مسلم في غير المساجد الثلاثة جاز وإلا فلا، وجوزه الحنفية مطلقاً. قوله: ﴿ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾ هذاعام لكل من منع مساجد الله من ذكر اسم الله فيها كان مسلماً أو كافراً. فخزي المسلم في الدنيا بالمصائب والفقر والعمى والموت على غير حالة مرضية وذكر المفسر خزي الكافر. قوله: (هو النار) أي على سبيل الخلود إن مات كافراً، أو على سبيل التطهير إن مات مسلماً، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل آية وردت في الكفار فإنها تجر ذيلها على عصاة المؤمنين. قوله: (لما طعن اليهود في نسخ القبلة) أي التي هي بين المقدس. فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة أمر بالصلاة لجهة بيت المقدس تأليفاً لليهود، فأشاعوا أن محمداً تابع لهم في دنيهم وشريعتهم، ثم بعد مدة أمره الله بالإنتقال إلى الكعبة فقالوا إن محمداً يفعل على مقتضى هواه وليس مأموراً بشرع، فنزلت الآية. قوله: (أو في صلاة النافلة) أي نزلت في شأن اعتراض اليهود على النبي حين شرعت صلاة النافلة على الدابة في السفر حيثما توجهت.