قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ شروع في ذكر صفات أهل النار، إثر ذكر صفات أهل الجنة، قوله: (عطف على الذين أحسنوا) أي ويكون فيه العطف على معمولي عاملين مختلفين، لأن ﴿ وَٱلَّذِينَ ﴾ معطوف على ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ الأول، والعامل فيه الابتداء الذي هو الحسنى، وقوله: ﴿ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ ﴾ معطوف على﴿ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾[يونس: ٢٦] والعامل فيه الابتداء، وهذا الوجه فيه خلاف بين النحويين، ولذا حاول بعضهم إعراب الآية، حتى ذكر فيه سبعة أوجه، أحسنها إن قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ مبتدأ أول، و ﴿ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿ بِمِثْلِهَا ﴾ خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول، والباء زائدة، ويدل لزيادتها قوله تعالى:﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ ﴾[الشورى: ٤٠].
قوله: ﴿ بِمِثْلِهَا ﴾ أشار بذلك إلى الفرق بين الحسنات والسيئات فالحسنات مضاعفة بفضل الله والسيئات جزاؤها مثلها، عدلاً منه سبحانه وتعالى، قال صاحب الجوهرة: فالسيئات عنده بالمثل، والحسنات ضوعفت بالفضل. قوله: ﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ أي يغشاهم الذل والكآبة. قوله: ﴿ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾ أي من عذابه وسخطه. قوله: ﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ ﴾ أي غطيت. قوله: (وإسكانها) أي فهما قراءتان سبعيتان، والمعنى على الأولى، كأن أجزاء الليل غطتهم ولبستهم، وعلى الثانية: كأن جزءاً من الليل غشيتهم وغطى وجوههم، وهذه الآية الأخرى، وهي قوله تعالى:﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ ﴾[عبس: ٤٠-٤٢] وما مشى عليه المفسر من أن القطع بالسكون الجزء هو أحد أقوال في تفسيره، وقيل هو سواد الليل، وقيل هو ظلمة آخر الليل. قوله: ﴿ مُظْلِماً ﴾ حال من الليل. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ أي الموصوفون بما ذكر. قوله: ﴿ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ ﴾ أي المستحقون لها. قوله: ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ أي ماكثون على سبيل الخلود والتأبيد. قوله: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ﴾ شروع في ذكر محاجة أهل الشرك مع معبوداتهم، إثر بيان أصحاب النار.
﴿ وَيَوْمَ ﴾ ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله: (اذكر). قوله: (نصب بالزموا) أي على أنه مفعول به، والمعنى الزموا هذا المكان ولا تبرحوا عنه، أو ظرف يجعل الزموا بعنى قفوا. قوله: (تأكيد للضمير المستتر) أي الذي هو الواو، وتسميته مستتراً فيه مسامحة، إذا الواو من الضمائر البارزة، وقد يجاب بأن المراد بالاستتار عدم الذكر بالفعل. قوله: (المقدر) أي الذي هو الزموا، والإخبار بهذا الأمر للتهديد يصدر من الله على لسان ملك لا مباشرة. لقوله تعالى:﴿ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾[البقرة: ١٧٤].
قوله: ﴿ فَزَيَّلْنَا ﴾ من التزييل وهو التفريق والتمييز، يقال زيَّل ضأنك من معزك أي فرق بينها وميز هذا من هذا، ووزنه فعل بالتضعيف، فهو من باب ذوات الياء، أو فعيل وأصله زيول، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، قلبت الواو ياء، وادغمت في الياء فهو من باب ذوات الواو. قوله: ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ (وبين المؤمنين) هكذا فهم المفسر، وهو بعيد من سابق الكلام ولاحقه، وقيل ميزنا بينهم وبين معبوداتهم وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا وهو الأقرب، لأن الكلام فيه. قوله: ﴿ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ ﴾ إنما أضيفت الشركاء لهم، لأنهم اتخذوها شركاء لله في العبادة. قوله: ﴿ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾ قال مجاهد: تكون في القيامة ساعة فيها شدة، تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله، فتقول الآلهة: والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل، ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا، فيقولون: والله إياكم كنا نعبد، فتقول الآلهة لهم: ﴿ فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴾.
قوله: (للفاصلة) أي تناسب رؤوس الآي. قوله: ﴿ لَغَافِلِينَ ﴾ أي لا علم لنا بذلك.


الصفحة التالية
Icon