قوله: ﴿ الۤـمۤ ﴾: اعلم أن مجموع الأحرف المنزلة في أوائل السور أربعة عشر حرفاً وهي نصف حروف الهجاء، وقد تفرّقت في تسع وعشرين سورة: المبدوء بالالف واللام منها ثلاث عشرة، وبالحاء والميم سبعة، وبالطاء أربعة، وبالكاف واحدة، وبالباء واحدة، وبالصاد واحدة، وبالقاف واحدة، وبالنون واحدة، وبعض هذه الحروف المبدوء بها أحادي وبعضها ثنائي وبعضها ثلاثي وبعضها رباعي وبعضها خماسي ولا تزيد. قوله: (الله أعلم بمراده بذلك) أشار بهذا إلى أرجح الأقوال في هذه الأحرف التي ابتدأ بها تلك السور، وهو أنها من المتشابه جرياً على مذهب السلف القائلين باختصاص الله تعالى بعلم المراد منه، وعلى هذا فلا محل لها من الإعراب، لأنه فرع إدراك المعنى فلا يحكم عليها بإعراب ولا بناء ولا بتركيب مع عامل، ومقابل هذا أقوال: قيل إنها اسماء للسور التي ابتدئت بها، وقيل اسماء للقرآن، وقيل لله تعالى، وقيل كل حرف منها مفتاح اسم من اسمائه تعالى، أي جزء من اسم، فالألف مفتاح لفظ الجلالة، واللام مفتاح اسم لطيف، والميم مفتاح اسم مجيد، وهكذا، وقيل كل حرف منها يشير إلى نعمة من نعم الله، وقيل إلى ملك، وقيل إلى نبي، وقيل الالف تشير إلى آلاء الله، واللام إلى لطف الله، والميم إلى ملك الله، وعلى هذه الاقوال فلها محل من الإعراب، فقيل الرفع، وقيل النصب، وقيل الجر، فالرفع على أحد وجهين، إما بكونها مبتدأ، وإما بكونها خبراً، والنصب على أحد وجهين أيضاً: إما باضمار فعل لائق تقديره اقرؤوا مثلاً وإما باسقاط حرف القسم كقول الشاعر: إذا ما الخبز تأدمه بلحم   فذلك أمانة الله الثريديريد وأمانة الله والجر بوجه واحد وهو أنها مقسم بها حذف حرف القسم وبقي عمله، أجاز ذلك الزمخشري وإن كان ضعيفاً لأن ذلك من خصائص الجلالة المعظمة لا يشاركها فيه غيرها.


الصفحة التالية
Icon