قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ﴾ إلخ. المعنى امتنع افتداء كل نفس من العذاب لامتناع ملكها لما تفتدى به، وهو جميع ما في الأرض. قوله: (كفرت) أي وماتت على كفرها. قوله: ﴿ لاَفْتَدَتْ بِهِ ﴾ أي لجعلته فداء لها من العذاب، لكنه لا يحصل ذلك. قوله: ﴿ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ ﴾ الضمير عائد على الرؤساء، والأسرار على حقيقته. والمعنى أن الرؤساء حين يرون العذاب يخفون الندامة خوف التعبير، وهذا ما مشى عليه المفسر، وقيل إن أسروا بمعنى أظهروا، من تسمية الأضداد، ولعل هذا هو الأقرب. قال تعالى:﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ ﴾[الزمر: ٥٦] الآية. قوله: ﴿ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ ﴾ ظرف لأسروا بمعنى حين، أو شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه. قوله: (مخافة التعبير) أي التوبيخ الواقع من الأتباع لهم. قوله: (بين الخلائق) أي فيقضى للمسلمين بالجنة، وللكفار بالنار، ويصح أن يكون المعنى بين الظالمين المظلومين. قوله: (العدل) أي وهو عدم الجوز والظلم. قوله: ﴿ أَلاۤ ﴾ أداة تنبيه، يؤتى بها للاعتناء بما بعدها، ومناسبة هذه الآية لما قبلها، أنه لما ذكر أن كل نفس كافرة، تتمنى أنها لو تملك ما في الأرض لافتدت به، بين هنا أنه لا يملك ذلك لعدم ملكها، فإن لله ما في السموات والأرض. قوله: ﴿ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ أي لا محيص عنه، بل هو واقع ولا بد. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي لقصور عقولهم بسبب استيلاء الغفلة عليهم فينكرون ذلك، والتعبير بأكثر، إشارة إلى أن الأقل يعلم ذلك، وهو واحد من ألف، لما تقدم في الحديث:" يا آدم أخرج بعث النار من ذريتك، فيخرج من كل ألف واحداً للجنة والباقي للنار "قوله: (فيجازيكم بأعمالكم) أي خيرها وشرها. قوله: (أي أهل مكة) أشار بذلك إلى أن الخطاب لهم، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: ﴿ مَّوْعِظَةٌ ﴾ مصدر وعظ بمعنى ذكر وأرشد لما ينفع من محاسن الأعمال، وزجر عما يضر من قبائحها. قوله: ﴿ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ صفة لموعظة، وفي هذا تنزل من الله لعباده، كأن الله يقول: الفداء في الآخرة لا ينفع، وأما في الدنيا فذلك نافع. قوله: ﴿ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ ﴾ المراد بها القلوب، من باب تسمية الحال باسم المحل، والمعنى أن القرآن مذكر وواعظ، وبه الشفاء لما في القلوب من الحقد والحسد والبغض والعقائد الفاسدة. قوله: ﴿ وَهُدًى ﴾ أي نور يقذف في قلوب الكاملين، يميزون به الحق والباطل، وفي هذه الآية إشارة إلى الشريعة والطريقة والحقيقة، فأشار للشريعة بقوله: ﴿ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ لأن الشريعة بها تطهير الظواهر، وأشار للطريقة بقوله: ﴿ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ ﴾ لأن الطريقة بها تطهير البواطن عن كل ما لا ينبغي، وأشار للحقيقة بقوله: ﴿ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ لأن بالحقيقة التجلي بالأنوار الساطعة في القلوب التي يرى بها الأشياء على ما هي عليه فعند ذلك يرى الله في كل شيء، وأقرب إليه من كل شيء، علماً ذوقياً، لا علماً يقينياً، فالحقيقة ثمرة الطريقة ولا تحصل إلا بعد التخلق بالطريقة والشريعة، ولذا قيل: حقيقة بلا شريعة باطلة، وشريعة بلا حقيقة عاطلة.


الصفحة التالية
Icon