قوله: ﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ لما ذكر سبحانه وتعالى، أحوال كفار قريش، وما كانوا عليه من القبائح، وما وعظهم الله به على لسانه صلى الله عليه وسلم، شرع في ذكر ما وقع للأنبياء مع أممهم، ليكون ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم، وعبرة للكفار لعلهم يؤمنون. قوله: ﴿ نَبَأَ نُوحٍ ﴾ أي بعض نبئه، إذ لم يذكر جميع خبره، وتقدم أن اسمه عبد الغفار بن لمك بن متوشلخ بن إدريس، ونوح لقبه، وبينه وبين إدريس ألف سنة، وقدم قصة قوم نوح، لأنهم أول الأمم هلاكاً، وأشدهم كفراً. قوله: ﴿ كَبُرَ ﴾ بضم الباء في المعاني، وأما في الأجسام فهو بكسر الباء. قوله: ﴿ مَّقَامِي ﴾ بفتح الميم باتفاق السبعة، وقرىء شذوذاً بضمها، فالأول ثلاثي، والثاني رباعي، وهو من باب الإسناد المجازي، وحق الإسناد أن يكون للذات، نظير ثقل عليَّ ظله. قوله: (لبثي فيكم) أي مكثي بينكم. قوله: ﴿ وَتَذْكِيرِي ﴾ إلخ. الواو بمعنى مع، والمعنى إن كان عظم عليكم مكثي بينكم، مع تذكيري بآيات الله، فأجمعوا أمركم إلخ، وذلك لأنه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم إلى توحيد الله، ففي الحقيقة الذي شق عليهم، إنما هو دعاؤه إلى التوحيد، ونصيحته لهم، لأن النصيحة لا يقبلها إلا الطبع السليم. قوله: ﴿ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ أي وثقت به لا بغيره، وفوضت أموري إليه. قوله: ﴿ فَأَجْمِعُوۤاْ ﴾ هذا هو جواب الشرط، وجملة ﴿ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ اعتراض بين الشرط وجوابه، ولا يصح أن تكون جواباً، لأن لا يحسن ترتبها على الشرط، إذ هو متوكل على الله دائماً، وأجمعوا بهمزة القطع هنا باتفاق السبعة، وهو يتعدى بنفسه وبحرف الجر، وأما ما يأتي في طه في قوله: (فأجمعوا كيدكم) فبهمزة الوصل والقطع قراءتان سبعيتان، فأجمع بهمزة القطع، مستعمل في المعاني كثيراً، وبهمزة الوصل في الأجسام كثيراً، يقال: أجمعت أمري، وجمعت جيشي. قوله: (اعزموا) أي صمموا ولا تترددوا. قوله: (على أمر تفعلونه) أي كهلاكي. قوله: (الواو بمعنى مع) أي فشركاءكم منصوب على المعية، لا معطوف على أمركم، لأن الشركاء ذوات، لا يتسلط عليه أجمعوا إلا بقلة، ويصح النصب بإضمار فعل لائق، والتقدير فأجمعوا أمركم، واجمعوا شركاءكم، بهمزة الوصل على حد: علفتها تبناً وماء بارداً   ، أو بقدر مضاف في المعطوف، والتقدير أمر شركاءكم. قوله: ﴿ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ﴾ أي لا يكن أمركم مخفياً، بل أظهروا ما في ضمائركم، فإني لست مبالياً بكم، لأن توكلي على ربي، فالغمة مأخوذة من قولهم: غم الهلاك إذا خفي على الناس. قوله: ﴿ ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ ﴾ أي أدوا إلي ما اردتموه وأوصلوه لي، وقرىء شذوذاً ثم أفضوا إلي بقطع الهمزة وبالفاء، من أفضى بالشيء، إذا انتهى إليه وأسرع، والمعنى ثم أسرعوا إلي بما عزمتم عليه. قوله: ﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾ أي دمتم على التولي والكفر، وجواب الشرط محذوف تقديره فلا ضرر على، وقوله: ﴿ فَمَا سَأَلْتُكُمْ ﴾ إلخ، تعليل لذلك المحذوف. قوله: (ثواب عليه) أي على التذكير. قوله: (فتولوا) منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، وفيه حذف إحدى التاءين، والأصل فتولوا. قوله: ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ أي ثوابي عليه لا على غيره، فأطلبه منه، قوله: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾ أي المنقادين لامتثال أوامره واجتناب نواهيه، في نفسي وتبليغ غيري. قوله: ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ أي داموا واستمروا على تكذيبه. قوله: ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ ﴾ أي أعقبنا تكذيبه النجاة له ولمن آمن معه. قوله: ﴿ وَمَن مَّعَهُ ﴾ أي من الإنس، وكانوا أربعين رجلاً، وأربعين امرأة. قوله: ﴿ فِي ٱلْفُلْكِ ﴾ تقدم أنه يستعمل مفرداً وجمعاً. قوله: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ ﴾ أي صيرناهم قوله: ﴿ وَأَغْرَقْنَا ﴾ إنما أخره ذكره، والإنجاء إشارة إلى أن الرحمة سابقة على الغضب، ولتعجيل المسرة لمن يمتثل الأمر. قوله: (فكذلك نفعل بمن كذبك) هذا هو المقصود من ذكر هذه القصص،


الصفحة التالية
Icon