قوله: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ ﴾ إلخ لما استجاب الله دعاء موسى وهارون، بالطمس على أموالهم، والربط على قلوبهم، أوحى الله إلى موسى وهارون، أن أسر بعبادي، واخرج بهم من أرض مصر، وورد أن يعقوب لما دخل مصر مع ذريته، لاجتماعهم بيوسف، كانوا اثنين وسبعين، فلما خرج موسى بهم، كانوا ستمائة الف، وكان فرعون غافلاً عن ذلك، فلما سمع أنهم خرجوا وعزموا على مفارقة مملكته، خرج في عقبهم، فلما أدركهم قالوا لموسى: أين المخلص، والبحر أمامنا والعدو وراءنا، فلما قربوا، أوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر، فضربه فانفلق، فقطعه موسى وبنو إسرائيل، فلحقهم فرعون وكان على حصان أدهم، وكان معه ثمانمائة الف حصان على لون حصانه، سوى سائر الألوان، وكان يقدمهم جبريل على فرس أنثى، وميكائيل يسوقهم حتى لا يبقى منهم أحد، فدنا جبريل بفرسه، فلما وجد الحصان ريح الأنثى، لم يتمالك فرعون نفسه، فنزل البحر وتبعه جنوده، حتى إذا اكتملوا جميعاً في البحر، وهم أولهم بالخروج، انطبق عليهم، وحصان بوزن كتاب، وجمعه حصن ككتب، كذا في القاموس. قوله: ﴿ وَجَاوَزْنَا ﴾ من المجاوزة وهي التخطية والتعدية، والمعنى جعلناهم مجاوزين البحر، بأن جعلناه يبساً وحفظناهم حتى بلغوا الشط. قوله: ﴿ ٱلْبَحْرَ ﴾ أي بحر السويس. قوله: (لحقهم) أي مشى خلفهم. قوله: ﴿ بَغْياً ﴾ أي في الأقوال ﴿ وَعَدْو ﴾، أي في الأفعال ففرعون متعد على بني إسرائيل، بالأقوال الكاذبة والأفعال الجائرة. قوله: (مفعول له) أي لأجله، ويصح نصبهما على الحال، أي باغين ومتعدين. قوله: ﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ ﴾ غاية لاتباعه. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (استئنافاً) أي واقعاً في جواب سؤال مقدر، أو على إضمار القول، والتقدير قائلاً إنه إلخ. قوله: (كرره ليقبل منه) أي كرر الإقرار بالإيمان ثلاث مرات. قوله: ﴿ آمَنتُ ﴾، وقوله: ﴿ أَنَّهُ ﴾ إلخ، وقوله: ﴿ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾.
قوله: (فلم يقبل) أي فمات على كره، وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وما قيل من أنه مات مؤمناً، فلا يلتفت له. قوله: (ودس جبريل) أي بأمر من الله، وهو لا يسأل عما يفعل، وذلك نظير أمرنا بقتل الكفار، وبهذا تعلم جواب إشكال الفخر الرازي في هذا المقام. قوله: (من حمأة البحر) بسكون الميم وتحريكها، وهي الطين الأسود. قوله: (مخافة أن تناله الرحمة) أي وليس من أهلها لسابق علم الله بعدم إيمانه. إن قلت: ما الحكمة في عدم قبوله مع كون الإيمان وقع منه ثلاث مرات؟ أجيب بأجوبة، منها: أنه إنما آمن عند نزول العذاب، وهو حينئذ غير نافع، قال تعالى:﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا ﴾[غافر: ٨٥] ومنها: أن الإيمان بالله، من غير إقرار للرسول بالرسالة غير نافع، وفرعون لم يقر برسالة موسى عليه السلام، فلم يصح إيمانه. ومنها: أن قوله: ﴿ آمَنَتْ ﴾ ليس قاصداً به الإيمان حقيقة، بل قصد به النجاة من البحر على حكم عادته، إذا أصابته مصيبة رجع واستجار. وحكي أن جبريل عليه السلام، أتى لفروعون بفتوى: ما قول الأمير في عبد نشأ في مال مولاه ونعمته، فكفر نعمته، وجحد حقه، وادعى السيادة دونه؟ فكتب فرعون فيه. يقول أبو العباس الوليد بن مصعب: جزاء العبد الخارج على سيده، الكافر نعمته، أو يغرق في البحر، فلما غرق، رفع جبريل إليه خطه. قوله: (وقال له) معطوف على قوله ودس، وقدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ آلآنَ ﴾ ظرف لمحذوف، والجملة مقول لذلك القول المقدر. قوله: ﴿ آلآنَ ﴾ استفهام توبيخ وتقريع. قوله: ﴿ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾ الجملة الحالية، والمعنى آلآن تتوب، وقد ضيعت الإيمان في وقته الذي يقبل فيه، وهو غير وقت العذاب.