قوله: ﴿ كِتَابٌ ﴾ خبر المحذوف قدره المفسر بقوله: (هذا) يدل عليه قوله في آية أخرى﴿ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ ﴾[البقرة: ٢] واسم الإشارة يصح عوده على ما ذكر في هذه السورة فقط، أو على جميع القرآن، وتقدم ذلك. قوله: ﴿ أُحْكِمَتْ ﴾ صفة لكتاب، إما من الأحكام أي الإتقان، ففعله متعد، والمعنى أتقنت آياته لفظاً ومعنى، فلا يحيط بمعنى آيات القرآن غيره تعالى، ولم يوجد تركيب بديع الصنع عديم النظير نظير القرآن، أو الهمزة للنقل من حكم بضم الكاف، بمعنى جعلت حكمية. قوله: ﴿ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ يحتمل أن ثم لمجرد الإخبار، والمعنى أخبرنا الله بأن القرآن محكم أحسن الإحكام، مفصل أحسن التفصيل، كما تقول: فلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل، ويحتمل أنها للترتيب الزماني بحسب النزول لأنها أحكمت أولاً حين نزلت جملة واحدة، ثم فصلت ثانياً، بحسب الوقائع. قوله: ﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ صفة ثانية لكتاب، وفيه طباق حسن، لأن حكيم يناسب أحكمت، وخبير يناسب فصلت، ويصح أن يكون من باب التنازع، أعمل الأول وهو أحكمت، وأضمر في الثاني وحذف، والأحسن الأول. قوله: ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ ﴾ الأحسن أن ﴿ أَنْ ﴾ تفسيرية لوجود ضابطها، وهو تقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه، وهو قوله: ﴿ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾.
قوله: ﴿ مِّنْهُ ﴾ يصح عود الضمير على الله، أو على الكتاب. قوله: (إن كفرتم) أي دمتم على الكفر. قوله: ﴿ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ ﴾ عطف على قوله: ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ ﴾ والسين والتاء للطلب، والمعنى اسألوه الغفران لذنوبكم فيما مضى، وقوله: ﴿ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ ﴾ أي في المستقبل، لأن شرط التوبة الندم على ما فات، والإقلاع في الحال، والعزم على عدم العود في المستقبل، فلا يقال: إن الاستغفار هو التوبة، بل بينهما التغاير. قوله: ﴿ يُمَتِّعْكُمْ ﴾ جواب الأمر. قوله: (بطيب عيش) أي في لأمن وراحة ورضا، فمن تاب في ذنوبه وأخلص عبارة ربه عاش في أمن وراحة ورضا، وإن ضيقت عليه الدنيا، فهي رفع درجات له، بوجود رضا الله عليه، ومن لم يتب وأصر على المعاصي والكفر، عاش في خوف ونصب وسخط، وإن وسعت عليه ملاذ الدنيا، ألا لا خير في عيش بعده النار، وحينئذ فلا ينافي هذا، كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. قوله: (فيه حذف إحدى التاءين) أي والأصل تتولوا. قوله: (أي تعرضوا) أي عن الأوامر والنواهي، وتدوموا على الكفر، وجواب الشرط محذوف، والتقدير فلا تلوموا إلا أنفسكم، وقوله: ﴿ فَإِنِّيۤ أَخَافُ ﴾ إلخ تعليل للجواب المحذوف. قوله: ﴿ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي فلا مفر لكم منه. قوله: (ومنه الثواب) أي من الشيء المقدور عليه. قوله: (فيمن كان يستحي) أي من المسلمين. قوله: (أن يتخلى) أي يقضي حاجته من البول والغائط. قوله: (فيفضي) معطوف على (يتخلى) وتنزيل الآية على حكم هذا القول، باعتبار تعليم التوحيد والمراقبة، كأن الله يقول لهم: لا تظنوا أن تغطيتكم تحجبكم عن الله، بل الله يعلم ما تسرون وما تعلنون، فلا ينافي أن التغطية عند التخلي والجماع مندوبة، وليس المراد ذمهم على هذا الفعل، إذ هو مطلوب حياء من الله والجن والملائكة. قوله: (وقيل في المننافقين) قال ابن عباس: نزلت في الأخنس بن شريق في منافقي مكة، وكان رجلاً طلق الكلام، حلو المنظر، وكان يلقى رسول الله بما يحب، وينطوي بقلبه على ما يكره، وقيل: كان الرجل من الكفار، يدخل بيته، ويرخي ستره، ويحني ظهره، ويستغشي بثوبه، ويقول الكفر، ويظن أن الله لا يعلمه في تلك الحالة.


الصفحة التالية
Icon