قوله: ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ من الثني وهو طي الشيء ليكون مستوراً، فالمراد يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر ليكون مخفياً مستوراً وأصله يثنون، نقلت ضمة الياء إلى ما قبلها، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع الواو، وهذا المعنى على أن سبب النزول في المنافقين، وأما على أنه فيمن يستحي، حال قضاء الحاجة والجماع، فالمراد بثني الصدر، انحناؤه بظهره حال قضاء الحاجة، وتغطيته بثوبه حين قضاء الحاجة والجماع فتأمل. قوله: ﴿ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾ هذا هو علة ثني الصدر على ما فيه. قوله: ﴿ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾ أي يأوون إلى فراشهم ويرتدون ثيابهم. قوله: ﴿ مَا يُسِرُّونَ ﴾ أي في قلوبهم وقوله: ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أي بأفواههم. قوله: (أي بما في القلوب) أي فالمراد بالصدور والقلوب وما فيها هو الخواطر، فأطلق المحل وأريد الحال فيه. قوله: (وما من دابة) النكرة في سياق النفي تعم، فدخلت جميع الدواب عاقلة وغير عاقلة. قوله: (وهي ما دب عليها) أي مشى وسار. قوله: ﴿ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ ليس المراد أن ذلك واجب عليه، تنزه وسبحانه وتعالى، بل المراد أنه التزم به وتكفل به التزاماً لا يتخلف، ففي الحقيقة على بمعنى من، إنما التعبير بعلى، ليزداد العبد ثقة بربه توكلاً عليه، وإن أخذ في الأسباب فلا يعتمد عليها، بل يثق بالله ويعتمد عليه، وليكن أخذه في الأسباب امتثالاً لأمره تعالى، لأن الله يكره العبد البطال، وخص دواب الأرض بالذكر، لأنهم المحتاجون للأرزاق، وأما دواب السماء، كالملائكة والحور العين، فليسوا محتاجين لذلك، بل قوتهم التسبيح والتهليل. قوله: ﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ أتى بذلك دفعاً لما يتوهم من كونه متكفلاً لكل دابة في الأرض برزقها، أنه ربما يخفى عليه بعض أماكن تلك الدواب، فدفع ذلك التوهم بأنه يعلم مكان كل دابة، فلا تخفى عليه خافية، والمعنى أنه أحاط علمه بمكان كل دابة وزمانها. قوله: (بعد الموت) أي وهو القبر. قوله: ﴿ كُلٌّ ﴾ (مما ذكر) أي من الدابة ورزقها ومستقرها ومستودعها، فاللوح المحفوظ، أحاط بجميع أرزاق الدواب وأمكنتها وأزمنتها وأحوالها، وهذا من باهر قدرته تعالى، لزيادة طمأنينة العبيد، ومراجعة الملائكة الموكلين بالأرزاق، لا خوفاً من نسيانه، إذ هو مستحيل عليه.


الصفحة التالية
Icon