قوله: ﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ لما تقدم ذكر أوصاف أهل الدنيا الغافلين عن الآخرة وعاقبة أمرهم ذكر أوصاف أهل الآخرة، الذين يريدون بأعمالهم وجه ربهم، واسم الموصول مبتدأ خبره محذوف، قدره المفسر فيما يأتي بقوله: (كمن ليس كذلك) جواب الاستفهام محذوف قدره بقوله: (لا) وقد صرح بهذين المحذوفين في قوله تعالى:﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾[السجدة: ١٨].
(بيان) أي نور واضح ودليل ظاهر، وذلك نظير قوله تعالى:﴿ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾[الزمر: ٢٢].
قوله: (وهو النبي) أي وعليه فالجمع للتعظيم في قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾، وقوله: (أو المؤمنون) والجمع فيها ظاهر، وفي نسخة والمؤمنون، وهي ظاهرة. قوله: (وهو القرآن) تفسير للبينة، وقد أخذ هذا التفسير مما يأتي في سورة البينة في قوله تعالى:﴿ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾[البينة: ١-٣].
قوله: ﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾ الضمير عائد على من. قوله: (وهو جبريل) تفسير للشاهد، والمعنى من كان متمسكاً بالحق، والحال أنه يتبعه شاهد من الله يصدقه على ذلك وهو جبريل، لأنه مقوي ومصدق للرسول، ويصح أن يكون المراد بالشاهد معجزات القرآن، والضمير في ﴿ مِّنْهُ ﴾ إما عائد على الله أو على القرآن، والمعنى على هذا، ويتبعه شاهد يشهد بكونه من عند الله وهو الإعجاز في نظمه واشتماله على عجائب المغيبات في معناه، فلا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، كلاً أو بعضاً ويصح أن يراد بالشاهد، المعجزات الظاهرة على يد رسول الله مطلقاً. قوله: ﴿ وَمِن قَبْلِهِ ﴾ الجار والمجرور حال من كتاب موسى، الواقع معطوفاً على شاهد. قوله: (شاهد له أيضاً) الأوضح أن يقول يتلوه أيضاً، إذ هو المسلط عليه. قوله: ﴿ إِمَاماً ﴾ أي مقتدى به. قوله: ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ أي إحساناً ولطفاً لمن أنزل إليهم. قوله: (أي من كان على بينة من ربه) أشار بذلك إلى أن اسم الإشارة عائد على قوله: ﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ ﴾.
قوله: ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ ﴾ اسم الموصول راجع لقوله: (كمن ليس كذلك) فهو لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ فَلاَ تَكُ ﴾ أصله تكون، دخل الجازم فسكنت النون فالتقى ساكنان، حذفت الواو لالتقائهما، وحذفت النون تخفيفاً. قوله: ﴿ فِي مِرْيَةٍ ﴾ بكسر الميم باتفاق السبعة، وقرىء شذوذاً بضمها وهي لغة قليلة، وهو خطاب للنبي والمراد غيره. قوله: ﴿ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ ﴾ أي الثابت والذي لا محيص عنه. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ ﴾ يفيد أن الأقل مؤمن، وهو كذلك في كل زمن إلى يوم القيامة، وإنما خص المفسر أهل مكة، لكون أصل الخطاب لهم. قوله: (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، وهذا شروع في ذكر أوصافهم، وقد ذكر منها هنا أربعة عشر وصفاً أولها قوله: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ وآخرها قوله:﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ ﴾[هود: ٢٢].
قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ ﴾ أي عرض فضيحة وهتك ستر. قوله: (وهم الملائكة) أي والنبيون والأصفياء. قوله: ﴿ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ ﴾ هذا من كلام الله تعالى لهم يوم القيامة، فيطردون بذلك عن الرحمة الصالحة في الآخرة، وليس المراد أنهم يطردون عن رحمة الدنيا. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ أي يمنعون الناس عن الدخول في دين الإسلام، والمعنى أنهم كما ضلوا في أنفسهم، يضلون غيرهم. قوله: ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾ أي ينسبونها للاعوجاج، والحال أنه قائم بقلوبهم. قوله: ﴿ أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ ﴾ أي فارين من عذاب الله، لأن الله وإن أمهلهم لا يهملهم. قوله: ﴿ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾ من زائدة في اسم كان، والمعنى ليس لهم أنصار من غير الله، يمنعون عذاب الله عنهم. قوله: (بإضلالهم غيرهم) أشار بذلك إلى جواب سؤال، وأراد على الآية. وحاصله، أن المضاعفة مخصوصة بالحسنات، وأما السيئات فلا تضاعف. قال تعالى:﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾[الأنعام: ١٦٠] فأجاب المفسر: بأن معنى المضاعفة الشدة، لأنهم يعذبون عذابين، عذاباً على ضلالهم في أنفسهم، وعذاباً في إضلالهم غيرهم. قوله: ﴿ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ ﴾ أي لم يقبلوه لوجود الحجاب على قلوبهم. قوله: ﴿ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ﴾ أي لم يقدروا على ذلك.


الصفحة التالية
Icon