قوله: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا ﴾ معطوف على وإذ ابتلى وما قدر هناك يقدر هنا، وجعل إن كانت بمعنى خلق نصبت مفعولاً واحداً وهو البيت ومثابة حال منه وإن كانت بمعنى صير نصبت مفعولين البيت أول ومثابة معفول ثان، وللناس جار ومجرور متعلق يجعلنا أو بمحذوف صفة لمثاب. قوله: (الكعبة) أشار بذلك إلى أن آل في البيت للعهد. قوله: ﴿ مَثَابَةً ﴾ يحتمل أن يكون مصدراً ميمياً وهو الذي درج عليه المفسر بقوله مرجعاً ويتحمل أن يكون ظرف مكان أي محل رجوع يرجع إليه المرة بعد المرة، أو المراد محل ثواب أي إن من لاذ به حصل له من الثواب ما لا يحصل له في غيره لما ورد ينزل من السماء مائة وعشرون رحمة على البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين وأصل مثابة مثوبة تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً. قوله: ﴿ وَأَمْناً ﴾ إما مصدر باق على مصدريته أو بمعنى اسم الفاعل أو ظرف مكان أي محل أمن وعليه درج المفسر، وعلى كونه اسم فاعل فالإسناد مجاز أي آمنا من دخله. خير ما فسرته بالوارد. قال تعلى:﴿ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾[آل عمران: ٩٧] قوله: (فلا يهيجه) أي لا يزعجه ولا يؤاخذه بما فعل وكان البيت معظماً في الجاهلية ففي الإسلام أولى ولذا قال ابن العباس: إن معصيته تضاعف لأنه يشدد على من في الحضرة ما لا يشدد على غيره، قال بعضهم: لقد أسرك من يرضيك ظاهره   ولقد أبرك من يعصيك مستتراًقوله: ﴿ وَٱتَّخِذُواْ ﴾ أمر إما معطوف على ما تضمنه قوله مثابة تقديره فتوبوا واتخذوا أو مستأنف مقول لقول محذوف تقديره وقال الله لهم اتخذوا قوله: (أيها الناس) فيه حذف حرف النداء وهذا على قراءة الأمر. قوله: ﴿ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ يحتمل أن من تبعيضية أو زائدة في الإثبات على مذهب الأخفش أو بمعنى في كل بعيد والأقرب أنها بمعنى عند، والسنة سنت أن الصلاة خلفه بأن يكون الحجر بين المصلي والكعبة. قوله: (هو الحجر) ورد أن طوله ذراع وعرضه كذلك، وقد نزل هو والحجر الأسود مع آدم من الجنة وهما ياقوتتان من يواقيتها، ولولا مس الكفار لهما لأضاءا ما بين المشرق والمغرب. قوله: (عند بناء البيت) أي بناؤه كان متأخراً عن بناء مكة فجرهم بنوا مكة أولاً وإبراهيم بنى البيت ثانياً، وذلك أن إبراهيم لما جاء بأم اسماعيل وابنها وهي ترضعه وضعهما عند مكان البيت وليس هناك يومئذ بناء ولا أحد، فعطشت واشتد عليها الأمر، فجاءها جبريل فبحث بعقبة أو بجناحه موضع زمزم حتى ظهر الماء فصارت تشرب منه، فاستمرت كذلك هي وولدها حتى مرت بهم طائفة من جرهم فقالوا لها أتأذنين أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم فنزلوا عندها وبنوا مكة، فلما شب إسماعيل وأعجبهم زوجوه امرأة منهم. قوله: (بأن تضلوا خلفه) هذا تخصيص لكون الصلاة عنده ومعنى كون الصلاة خلفه باعتبار مقصروته وإلا فهو مربع لا خلف له ولا إمام، وهذا بحسب ما سبق من الزمان فإنه كان الحجر مقصورة بابها لجهة البيت، وأما الآن فقد حول الباب فالمصلي الآن يصلي لجهة الباب فهو قبالته ولا خلفه. قوله: (وفي قراءة) هما سبعيتان. قوله: (خبر) أي جملة خبرية معطوفة على جعلنا مسلط عليها إذ أي اذكر جعلنا واذكر إذ اتخذ الناس من مقام إبراهيم مصلى. قوله: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ فيه لغتان باللام والنون ويجمع على سماعل وسماعلة وأسامع، قيل سمي بذلك لأن ابراهيم لما دعا الله أن يرزقه ولداً صار يقول اسمع إيل أي استجب يا الله. قوله: ﴿ أَن ﴾ يحتمل أنها تفسيرية وهو الأقرب لوجود ضابطها، وهو أن تتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه وصحة حلول أي محلها، ويحتمل أنها مصدرية وكلام المفسر يحتملها. قوله: (من الأوثان) إن قلت إنه لم يكن حين بناء البيت أوثان، قلت أجيب بأن المراد طهره فيما يستقبل من الزمان لعلم الله أن المشركين ستتخذ أوثاناً، وليس المراد أن الأوثان كانت موجودة حينئذ وأمر بطهارته منها. قوله: ﴿ لِلطَّائِفِينَ ﴾ جمع طائف وهو الذي يطوف حوله الأشواط. قوله: ﴿ وَٱلْعَاكِفِينَ ﴾ جمع عاكف وهو عرفاً الملازم للمسجد للعبادة على وجه مخصوص، ولكن المراد به هنا المقيم فيه يفسره قوله في الآية الأخرى، (والقائمين) فالعاكفون والقائمون والمقيمون بمعنى واحد. قوله: (المصلين) أخذ ذلك من عدم عطف السجود على الركوع، فالمراد جمعهما في عبادة، لا أن الركوع قسم والسجود قسم آخر.


الصفحة التالية
Icon