قوله: ﴿ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ ﴾ إنما نهاه أبوه عن ذلك لأنه من رؤياه أن الله تعالى يصطفيه لرسالته ويفوق إخوانه فخاف عليه حسدهم، ويؤخذ من ذلك، أن الإنسان إذا رأى خيراً في منامه، لا يخبر به إلا حبيباً أو لبيباً غير حسود، لما قيل: إن الرؤيا على رجل طائر متى قصت وقعت، بخلاف رؤيا المكروه، فلا يقصها، لما في الحديث:" إذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث بها إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره، فليتفل عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من الشيطان وشرها، فإنها لا تضره "قوله: (والشمس أمك والقمر أبوك) حكمة تأويل أمه بالشمس، لأنها يظهر منها الأقمار وهم الأنبياء، وأبيه بالقمر، لأن القمر يهتدى به في الظلم، فكذلك الرسل يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشرك، والإخوة بالكواكب، لأن نورهم لا يبلغ نور أبيهم، إما لأنهم أنبياء فقط وليسوا برسل، أو أولياء فقط وليسوا بأنبياء، وما مشى عليه المفسر، من أن المراد بالشمس أمه أحد قولين، وقيل إن أمه راحيل قد ماتت، والمراد بالشمس خالته ليا. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ أي فيوقع الإنسان في المعاصي لفرط عداوته له. واعلم أن ما وقع من إخوة يوسف معه مما يأتي في القصة، باق على ظاهره، ولا تأويل فيه على القول بعدم نبوتهم، لأن الولي تجوز عليه المعصية، ولكن لا يصر عليها بل يتوب، وهؤلاء آل أمرهم لحسن التوبة، وأما على القول بنبوتهم، فهو مشكل غاية الإشكال، إذ كيف يقع ذلك من الأنبياء؟ فأجاب العلماء على ذلك، بأن هذا مبني على أن النبي معصوم بعد النبوة لا قبلها، أو كانوا لم يبلغوا الحلم، وكل هذا ليس بسديد، بل الحق أن النبي معصوم ظاهراً وباطناً، قبل النبوة وبعدها، وإنما الواجب الذي يشفي الغليل ويريح العليل أن يقال: إن الله أطلعهم على أن يوسف يعطي النبوة والملك بمصر، ولا يتصور ذلك إلا بهذا الفعل، فهم مأمورون به باطناً مخالفون ظاهراً، إذ ليسوا مشرعين، فلا يكلمون إلا بخلوص بواطنهم مع ربهم، ونظير ذلك قصة الخضر مع موسى، حيث قال بعد ما فعل ما فعل:﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾[الكهف: ٨٢]، فهم مأمورون بحكم الباطن، مخالفون بحكم الظاهر، وقصة آدم في أكله من الشجرة، وتقدم ما يفيد ذلك في البقرة بأبلغ وجه. قوله: ﴿ وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾ أي كما رفع منزلتك بهذه الرؤيا العظيمة، يختارك ويصطفيك ربك. قوله: (تعبير الرؤيا) أي تفسيرها. قوله: ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ أي يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة. قوله: ﴿ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ ﴾ لم يقل بالنبوة إشارة للخلاف في نبوتهم. قوله: ﴿ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ إما بدل من أبويك، أو عطف بيان عليه. قوله: ﴿ عَلِيمٌ ﴾ (بخلقه) أي فيصطفي من يشاء، وقوله: ﴿ حَكِيمٌ ﴾ (في صنعه) أي فيضع الأشياء في محلها. قوله: ﴿ لَّقَدْ كَانَ ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف، والتقدير والله لقد كان إلخ. قوله: (وهم أحد عشر) أي وهم: يهودا وروبيل وشمعون ولاوي وريالون ويشجر، وهؤلاء الستة من بنت خال يعقوب ليا، ثم بعد موتها تزوج أختها راحيل، وقيل جمع بينهما ولم يكن لجمع بين الأختين محرماً في شرعه، فولدت له بنيامين ويوسف، وأما الأربعة الباقية: دان ونفتالي وجاد وآشر، فمن سريتين زلفة وبلهة. قوله: ﴿ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾ أي وغيرهم، ففيه اكتفاء، وذلك أن اليهود لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف، وقيل سألوا عن انتقال أولاد يعقوب، من أرض كنعان إلى أرض مصر، فذكر لهم تلك القصة، فوجدوها مطابقة لما في التوراة، وحينئذ فهي من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، حيث قص عليم تلك القصة بأبلغ وجه، مع كونه لم يسبق له تعلم من أحد، ولا قرأ ولا كتب.