قوله: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ ﴾ تقدم أنه كان بين ذهابهم به واجتماعه بأبيه أربعون سنة، وقيل ثمانون سنة، لم تجف فيها عين يعقوب. قوله: (بأن نزعوا قميصه) إلخ، روي أنهم لما برزوا به إلى الصحراء أخذوا يؤذونه ويضربونه، حتى كادوا يقتلونه، فصار يصيح ويستغيث، فقال يهودا: أما عاهدتموني على ألا تقتلوه؟ فأتوا به إلى البئر فدلوه فيها فتعلق بشفيرها، ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به على أبيهم، فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به، فقالوا له: ادع الأحد عشر كوكباً، والشمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك، وفي القصص، أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، جرد عن ثيابه، فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق، ودفعه إسحاق إلى يعقوب فجعله في قصبة من فضة، وجعلها في عنق يوسف، فألبسه الملك إياه حين ألقي في الجب، فأضاء له الجب، وسيأتي أنه القميص الذي أرسله مع البشير بأمر جبريل، وأخبره أنه لا يلقى على مبتلى إلا عوفي. قوله: (ثم أوى إلى الصخرة) أي جاء له بها الملك فأجلسه عليها، قال الحسن: لما ألقي يوسف في الجب عذب ماؤها، فكان يغنيه عن الطعام والشراب، ودخل عليه جبريل فأنس به، فلما أمسى نهض ليذهب فقال: إنك إذا خرجت استوحشت، فقال: إذا رهبت من شيء فقل: يا صريخ المستصرخين، ويا غوث المستغيثين، ويا مفرج كرب المكروبين، فقد ترى مكاني وتعلم حالي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، فلما قالها يوسف، حفته الملائكة واستأنس في الجب، وفرج الله عنه بخروجه من ليلته، وقيل إنه مكث في الجب ثلاثة أيام، فكان إخوته يرعون حوله، وكان يهودا يأتيه بالطعام. قوله: (أو دونها) قيل خمسة عشر، وقيل اثني عشر، وقيل سبعة. قوله: ﴿ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ ﴾ أي كما سيأتي في قوله:﴿ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾[يوسف: ٥٨] الآية. قوله: ﴿ عِشَآءً ﴾ أي ليكونوا في الظلمة ليقبل اعتذارهم، فلما بلغوا منزل يعقوب، جعلوا يبكون ويصرخون فسمع أصواتهم ففزع من ذلك وسألهم، فأجابوه بما ذكر. قوله: ﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا ﴾ إلخ، في هذا الكلام فتح باب اتهام لهم كما لا يخفى. قوله: (لا تهمتنا) إلخ، قدره المفسر إشار إلى أن لو شرطية، وجوابها محذوف، والأسهل من هذا جعل الواو حالية، ولو زائدة، والتقدير وما أنت بمؤمن لنا، والحال أنا كنا صادقين في نفس الأمر. قوله: (محله نصب) أي فعلى ظرف بمعنى فوق. قوله: (أي ذي كذب) أشار بذلك إلى أن وصف الدم بالكذب على حذف مضاف، ويصح أن يكون مبالغة على حد زيد عدل. قوله: (سخلة) هي الصغيرة من الغنم. قوله: (وذهلوا عن شقه) أي عن تمزيقه، لأن العادة أن الذئب إذا أكل الإنسان يشق قميصه، وقد ذهلوا عن هذه الحيلة كي لا تتم لهم. قوله: (لما رآه صحيحاً) روي أنه قال: ما أحلم هذا الذئب يأكل ابني ولا يقد قميصه، وقيل: إنهم أتوه بذئب وقالوا: هذا أكله، فقال يعقوب: أيها الذئب، أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي؟ فأنطقه الله قال: والله ما أكلت ولدك ولا رأيته قط، ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء، فقال له يعقوب: فكيف وقعت بأرض كنعان؟ فقال: جئت لصلة الرحم، فأخذوني وأتوا بي إليك، فأطلقه يعقوب. قوله: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ ﴾ أي سهلت لكم أنفسكم أمراً عظيماً، فعلتموه بيوسف وهونتموه في أعينكم. قوله: (لا جزع فيه) فسر المفسر الصبر الجميل، بأنه الذي لا جزع فيه، والأولى أن يفسره كما في الحديث:" بأنه الذي لا شكوى فيه لغير الله، وأما الهجر الجميل، فهو الذي لا إيذاء معه، وأما الصفح الجميل، فهو الذي لا عتاب بعده، وقد تحقق بجميعها كل من يوسف ويعقوب "قوله: (المطلوب منه العون) أي فالسين والتاء للطلب. قوله: ﴿ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ أي على تحمل المكاره التي تذكرونها في أمر يوسف.