قوله: ﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ ﴾ جمع سائر أي مسافر، سموا بذلك لسيرهم في الأرض، قوله: (من مدين إلى مصر) أي فأخطؤوا الطريق، ونزلوا بأرض قفراء قريباً من الجب. قوله: ﴿ فَأَرْسَلُواْ ﴾ ذكر باعتبار المعنى، ولو راعى اللفظ لقال: فأرسلت واردها. قوله: ﴿ وَارِدَهُمْ ﴾ وهو مالك بن ذعر الخزاعي، وهو من أهل مدين. قوله: ﴿ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ﴾ يقال أدلى بالهمز إذا أرسل الدلو في البئر ودلاه بالتضعيف إذا نزعه، والدلو مؤنث وقد يذكر. قوله: (فأخرجه) أي بعد أن مكث فيها ثلاثة أيام على ما قيل، ولما خرج صارت جدران البئر تبكي عليه. قوله: ﴿ يٰبُشْرَىٰ ﴾ منادى مضاف لياء المتكلم. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (ونداؤها مجاز) أي لتنزيلها منزلة العاقل. قوله: ﴿ هَـٰذَا غُلاَمٌ ﴾ التنكير للتعظيم، لأنه كان عليه السلام حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العينين، مستوي الخلق، أبيض اللون، غليظ الساعدين والعضدين والساقين، وخميص البطن، صغير السرة، وكان إذا تبسم ظهر النور من ضواحكه وإذا تكلم ظهر من ثناياه، وبالجملة لم يكن أحسن منه إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن يوسف أعطي شطر الحسن، ورسول الله أعطي الحسن كاملاً، قال البوصيري: منزه عن شريك في محاسنه   فجوهر الحسن فيه غير منقسمإن قلت: إذا كان كذلك، فلم لم تفتتن النساء بجمال محمد صلى الله عليه وسلم كما افتتنَّ بجمال يوسف؟ أجيب: بأن جمال محمد قد ستره الله بالجلال كالشمس، لا يستطيع أحد أن يتأمل فيها إذا قرب منها، ولذا لم ترو الشمائل الشريفة، إلا عن صغار الصحابة، كالحسن والحسين وعبد الله بن عمر وغيرهم، لا عن كبارهم، لقيام الجلال بقلوبهم فيمنعهم من وصفه، وأما جمال يوسف فهو ظاهر، لم يستتر بجلال كالبدر، فحينئذ يتأمل فيه المتأمل ويصفه الواصف، غير أنه يعجز عن استعياب محاسنه، ومن هذا المعنى قول ابن الفارض: لو أسمعوا يعقوب بعض ملاحة   في وجهه نسي الجمال اليوسفيقوله:(فعلم به إخوته) أي حين نظروا إلى القافلة واجتماعها على البئر، فأتوهم وقد ظنوا موت يوسف، فرأوه أخرج حياً، فضربوه وقالوا: هذا عبد آبق منا، فإن أردتم بعناه لكم، ثم قالوا له بالعبرانية: لا تنكر العبودية نقتلك، فأقر بها، فاشتراه مالك بن ذعر الخزاعي. قوله: ﴿ وَأَسَرُّوهُ ﴾ الضمير عائد على السيارة بمعنى بعضهم، وهو مالك بن ذعر، والمعنى أن البائع والمشتري أخفوا أمره وجعلوه بضاعة أي قالوا: إنه بضاعة استبضعناه لبعض أهل الماء لنبيعه لهم بمصر، وإنما قالوا ذلك حيفة أن يطلبوا منه الشركة فيه وقوله: (جاعليه) حال من فاعل ﴿ وَأَسَرُّوهُ ﴾، وقوله: ﴿ بِضَاعَةً ﴾ معمول لتلك الحال، وهذا في الحقيقة، وأما بحسب الظاهر، فهو حال من الواو في أسروه، ومعنى قوله بضاعة، أنه ملك للغير أعطوه له ليبيعه لهم، ويصح أن يعود الضمير على الإخوة، ويكون معنى البضاعة الشيء المعمول الذي يباع ويشرى، وعليه درج المفسر. قوله: ﴿ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ أي من العمل الذي ظاهره قبيح وباطنه حسن، حيث ترتب عليه من الأسرار والفوائد العظيمة، ما لا يدخل تحت حصر، وهذا تعليم من الله لعباده، التفويض والتسليم له في شأن إخوة يوسف، والمعنى لا تخض أيها السامع في شأنهم بسوء، فإن الله عليم بما يعملون. قوله: (باعوه) أي إخوته، وقوله: (منهم) أي السيارة، والمعنى باعه إخوته للسيارة، أي لبعضهم وهو مالك بن ذعر الخزاعي. قوله: (ناقص) أي عن قيمته لو كان رقيقاً، وقيل إن البخس معناه الحرام، لأنه ثمن حر وهو حرام.


الصفحة التالية
Icon