قوله: ﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ سبب نزولها أن عبد الله بن سلام أسلم وكان له ابن أخ أحدهما مهاجر والثاني اسمه سلمة، فدعاهما إلى الإسلام وقال لهما قد علمتما أن الله قال في التوراة: إني باعث من ولد إسماعيل نبياً اسمه أحمد من آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة وأبى مهاجر فنزلت الآية، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: (أي لا) ﴿ يَرْغَبُ ﴾ أشار بذلك إلى أن الإستفهام إنكاري بمعنى النفي، والإستثناء المفرغ لا يكون إلا بعد النفي، وما في معناه الرغبة، عن الشيء الزهد فيه. قوله: ﴿ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ أي دينه وشريعته فالملة والدين والشريعة بمعنى واحد، وهو الأحكام التي جعلها الله للتعبد بها، فمن حيث إملاؤها يقال لها ملة، ومن حيث شرعها يقال لها شريعة، ومن حيث التدين بها يقال لها دين. قوله: ﴿ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ يحتمل أن من اسم موصول والجملة بعدها صلة أو نكرة والجملة بعدها صفة، وعلى كل فهو بدل من فاعل يرغب، التقدير ولا يرغب عن ملة إبراهيم أحد إلا الذي أو شخص سفه نفسه قوله: (جهل أنها مخلوقة) هذا بناء على أنه لا يتعدى بنفسه إلا بتضمينه معنى جهل ومعنى جهله نفسه لم يتأمل ولم ينظر فيها، فيستدل على أن لها صانعاً أتقن صنعها فيؤمن به. قوله: (أو استخف بها) هذا بناء على أنه يتعدى بنفسه كالمشدد، ومعنى استخفافه بها تركه العبادة لله التي بها العز الأبدي. قوله: ﴿ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ ﴾ هذا حجة لقوله ومن يرغب، وأكدت هذه الجملة باللام فقط وما بعدها بأن واللام لأن هذه الجملة متعلقة بأمر الدنيا وهو فيها ظاهر الحال، بخلاف الجملة الثانية فإنها متعلقة بالآخرة وهو أمر مغيب لا يؤمن به إلا من نور الله بصيرته فاحتاجت لزيادة التأكيد. قوله: (وفي قراءة وأوصى) أي فهما قراءتان سبعيتان فالهمز والتضعيف أخوان. قوله: ﴿ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ﴾ أي وهم إسماعيل وهو من هاجر وإسحاق وهو من سارة، وكان له ستة أولاد من امرأة تسمى قنطور الكنعانية تزوجها بعد وفاة سارة، فجملة أولاده ثمانية وقيل أربعة عشر. قوله: ﴿ وَيَعْقُوبُ ﴾ (بنيه) أشار بذلك إلى أن يعقوب بالرفع معطوف على إبراهيم، والمفعول محذوف قدره المفسر بقوله بنيه وهم اثنا عشر: روبيل بضم الراء وشمعون ولا وي ويهوذا ويشبخون وزبولون ودون وبقيون وكودا وأوشيز وبنيامين ويوسف، كذا في البيضاوي. قوله: ﴿ يَابَنِيَّ ﴾ هذا هو صورة الوصية. قوله: ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ ﴾ أصله تموتون أكد بالنون فصار تموتن حذف نون الرفع لتوالي الأمثال فالتقى ساكنان الواو والنون حذفت الواو لالتقائهما. قوله: (نهى عن ترك الإسلام إلخ) دفع بذلك ما يقال إن الموت على الإسلام ليس في طاقة العبد فما معنى التكليف، فأجاب بأن المراد التكليف بالإسلام والنهي عن تركه، كقولك لشخص لا تصل إلا وأنت خاشع، فهو نهي عن ترك الخشوع فيها. قوله: (بدل من إذ قبله) أي بدل اشتمال. قوله: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ﴾ أتى بما دون من امتحاناً لهم لأنه في زمنه كثرت عبادة غير الله، وإنما امتحنهم لتظهر سرائرهم. قوله: (إبراهيم إلخ) بدل من آبائك وكرره إله لأنه الفصيح مطلقاً اسماً كما هنا أو حرفاً كمررت بك وبزيد، قال ابن مالك: وعود خافض لدى عطف على   ضمير لازماً قد جعلاقوله: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ قدمه على إسحاق وإن كان أبا يعقوب لمزيتين، كونه أسن منه وكونه أبا النبي عليه الصلاة والسلام. قوله: (ولأن العم بمنزلة الأب) أي لما في الحديث" عمك صنو أبيك "قوله: ﴿ إِلَـٰهاً وَاحِداً ﴾ كرره لدفع توهم التعدد من تعدد المضاف. قوله: (بمعنى همزة الإنكار) أي فتارة تفسر بها وحدها كما هنا وتارة يفسر وببل وتارة تفسر ببل وحدها.


الصفحة التالية
Icon