قوله: ﴿ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ﴾ هذا شروع في تعبير رؤياهما. قوله: (فيخرج بعد ثلاث) أي من الأيام وهي العناقيد الثلاثة التي عصرها. قوله: (سيده) أي وهو الملك. قوله: ﴿ وَأَمَّا ٱلآخَرُ ﴾ (فيخرج بعد ثلاث) أي من الأيام وهي السلاسل الثلاث. قوله: (فقالا ما رأينا شيئاً) هذا أحد قولين، وقيل إنهما رأيا ذلك حقيقة فرآهما مهمومين، فسألهما عن شأنهما، فذكر كل واحد رؤياه. قوله: ﴿ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾ المراد به الجنس، أي قضي أمر كل واحد، ويؤول إليه شأنه كذب أو صدق. قوله: (سألتما) تفسير لتستفتيان، فالمراد المضارع الماضي. قوله: ﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ ﴾ إن كان الظن واقعاً من الساقي، فالأمر ظاهر، وإن كان من يوسف فهو بمعنى اليقين، كما قال المفسر على حده﴿ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ ﴾[البقرة: ٤٦].
قوله: (سيدك) أي وهو الملك. قوله: (محبوساً) أي طال حبسه ظلماً خمس سنين. قوله: (أي الساقي) أي والمعنى أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك، وذلك للحكم الباهرة التي ستظهر، وهذا أحد قولين، وقيل إن الضمير عائد على يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه عز وجل حين استغاث بمخلوق، وإسناد الإنساء للشيطان، لأنه يفرح به ويحبه، ظاناً أن يوسف يطرد بذلك، وإلا فالذي أنساه ذلك ربه لا الشيطان، فإنه لا تسلط له على المرسلين، قال تعالى:﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾[الحجر: ٤٢] فلما وقع من يوسف ذلك، عوتب ببقائه في السجن تلك المدة من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله: (قيل سبعاً) أي وهي مدة مكث أيوب فب البلاء، وقوله: (وقيل اثنتي عشرة) هذا قول ثان في مدة السجن، وقيل خمساً ونصفاً قبل قوله: ﴿ ٱذْكُرْنِي ﴾ وسبعاً بعده، وقيل أربع عشرة سنة، خمس قبل القول، وتسع بعده، وحكمة مكثه تلك المدة في السجن، ليؤمن أهل السجن، وليصل أمره للملك فيخرج، والحال أنه مطلوب لا طالب، فيتحقق له العز الذي بشر به سابقاً، فترتب على طلبه السجن ولإبقائه فيه الزمن الطويل، من الحكم العظيمة، والأسرار الفخيمة، والعز والسؤدد، ما لا تحيط به العبارة، ولا تحصيه الإشارة، فأمور يوسف صلوات الله وسلامه عليه، ظاهرها ذل، وباطنها غاية العز، على حد قول البوصيري: لو يمس النضار هون من النا   ر لما اختير للنضار الصلاءفبلايا الأنبياء والمقربين، لا تزيدهم، إلا رفعة وعزاً.


الصفحة التالية
Icon