قوله: ﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ﴾ أي وهو الريان بن الوليد، وذلك أنه لما ظهر له في يوسف من المزايا التي لم توجد في غيره قال ما ذكر. قوله: (فجاءه الرسول) إلخ، قدر المفسر هذه الجمل وهي ثمانية، إشارة إلى أن قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا كَلَّمَهُ ﴾ مرتب على محذوف. قوله: (ودعا لهم) أي بقوله: اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار، ولا تعم عليهم الأخبار. قوله: (ثم اغتسل) أي فلما خرج من السجن كتب على بابه، هذا بيت البلوغ، وقبر الأحياء، وشماتة الأعداء، وتجربة الأصدقاء. قوله: (ولبس ثياباً حساناً) يؤخذ من هذا، أن مما ينبغي عند الدخول على السلاطين، الطهارة وتحسين الهيئة، وهذه الثياب يحتمل أنها كانت عنده، أو أرسلها له الملك. قوله: (ودخل عليه) ورد أنه لما دخل سلم عليه بالعربية، فقال الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمي إسماعيل، ثم دعا له بالعبرانية فقال له: ما هذا اللسان أيضاً؟ فقال: هذا لسان آبائي، وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً، ولم يعرف هذين اللسانين، وكان كلما تكلم بلسان أجبه يوسف به، فتعجب الملك من أمره مع صغر سنه، لأنه كان إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، ثلاثة عشرة منها مدة إقامته مع زليخا والسجن، وسبع عشرة قبلها، وعلى هذا فدعواه لعبادة الله في السجن، إما نبوة قبل الأربعين، أو نصيحة منه لدين آبائه، على عادة العلماء وتأسيساً لنبوته. قوله: ﴿ مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ أي قريب المنزلة رفيع الرتبة مؤتمن على سرنا. قوله: (قال فماذا ترى أن نفعل) إلخ، روي أن الملك قال ليوسف عليه السلام: أحب أن اسمع تأويل رؤياي منك شفاها قال نعم أيها الملك، رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غير عجاف، كشف لك عنهن النيل فطلعن من شاطئه تشخب أخلافهن لبناً، فبينا أنت تنظر إليهن وقد أعجبك منهن حسنهن، إذ نضب النيل فغار ماؤه وبدا يبسه، فخرج من حمئه سبع بقرات عجاف شعث غير ملصقات البطون، ليس لهن ضرع ولا أخلاف، ولهن أنياب وأضراس، وأكف كأكف الكلاب، وخراطيم كخراطيم السباع، فاختلطن بالسمان فافترسن السمان افتراس السبع، فأكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن ومشمشن مخهن، فبينا أنت تنظر وتتعجب، كيف غلبنهنَّ وهن مهازيل، ثم لم يظهر فيهن سمن ولا زيادة بعد أكلهن، وإذا سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات أخر سود يابسات في منبت واحد، عروقهن في الثرى والماء، فبينا أنت تقول في نفسك: أي شيء هذا، هؤلاء خضر مثمرات، وهؤلاء سود يابسات، والمنبت واحد، أصولهن في الثرى والماء؟ إذ هبت ريح، فردت أوراق اليابسات السود على الخضر المثمرات، فاشتعلت فيهن النار فاحترقن فصرن سوداً، فهذا ما رأيت أيها الملك، ثم انتبهت مذعوراً، فقال الملك: والله ما أخطأت فيها شيئاً، فما شأن هذه الرؤيا؟ وإن كانت عجباً فما هي بأعجب مما سمعت منك، وما ترى من تأويل رؤياي أيها الصديق؟ قال يوسف عليه السلام: أرى أن تجمع الطعام، وتزرع زرعاً كثيراً في هذه السنين المخصبة، وتجعل ما يتحصل من ذلك الطعام في الخزائن بقصبه وسنبله فإنه أبقى له، فيكون ذلك القصب والسنبل علفاً للدواب، وتأمر الناس أن يدفعوا الخمس من زرعهم أيضاً، فيكفيك ذلك الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها، ويأتيك الخلق من سائر النواحي للميرة، ويجتمع عندك من الكنوز والأموال، ما لم يجتمع لأحد من قبلك، فقال الملك: ومن لي بهذا؟ ومن يجمعه لي ويبيعه لي؟ ولو جمعت أهل مصر ما أطاقوا ذلك، ولم يكونوا فيه أمناء، فقال يوسف عند ذلك﴿ ٱجْعَلْنِي ﴾[يوسف: ٥٥] إلخ.


الصفحة التالية
Icon