قوله: ﴿ وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي مكناه إياها. قوله: (بعد الضيق والحبس) أي بعد صبره على الضيق حين وضع في الجب وحين حبس. قوله: (وفي القصة أن الملك) إلخ، قال ابن عباس وغيره: لما انقضت السنة من يوم سؤال الإمارة، دعاه الملك فتوجَّه وقلده بسيفه وحلاه بخاتمه، وضع له سريراً من ذهب مكللاً بالدر والياقوت، طوله ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرة أذرع، ووضع له ثلاثين فرساً وستين مأدبة، وضرب له عليه حلة من استبرق، وأمره أن يخرج، فخرج متوجاً، لونه كالثلج ووجه كالقمر، يرى الناظر وجهه فيه من صفاء لونه، فانطلق حتى جلس على ذلك السرير، ودانت ليوسف الملوك، وفوض الملك الأكبر إليه ملكه، وعزل قطفير عما كان عليه، وجعل يوسف مكانه، قال الزمخشري: إن يوسف قال للملك: أما السرير فأشد به ملكك، وأما الخاتم فأدبر به أمرك، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي، فقال له الملك: قد وضعته إجلالاً لك وإقراراً بفضلك، وكان لملك مصر خزائن كثيرة، فسلمها ليوسف وسلم له سلطانه كله، وجلع أمره وقضاءه نافذاً حتى بمملكته، ثم هلك قطفير عزيز مصر في تلك الليالي، فزوج الملك ليوسف امرأة العزيز بعد هلاكه، فلما دخل يوسف عليها قال: أليس هذا خيراً مما كنت تريدين؟ قالت له: أيها الصديق لا تلمني، فإني كنت امرأة حسناء ناعمة كما ترى، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما جعلك الله في حسنك فغلبتني نفسي وعصمك الله، قالوا: فوجدها يوسف عذراء فأصابها، فولدت له ولدين ذكرين أفراثيم وميشا، وبنتاً واسمها رحمة زوجة أيوب عليه السلام، وميشا هو جد يوشع بن نون، وأقام في مصر العدل، وأحبه الرجال والنساء، فلما اطمأن يوسف في ملكه، دبر في جمع الطعام أحسن التدبير، فبنى الحصون والبيوت الكثيرة، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة، وأنفق المال بالمعروف، حتى خلت السنون المخصبة، ودخلت السنون المجدبة بهول وشدة، لم ير الناس مثله، وقيل: إنه دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم أكلة واحدة نصف النهار، فلما دخلت سنة القحط، كان أول من اصابه الجوع الملك، فجاع نصف الليل، فنادى يا يوسف الجوع الجوع، فقال يوسف: هذا أوان القحط، فهلك في السنة الأولى من سني القحط، كلما أعدوه في السنين المخصبة، فجعل أهل مصره يبتاعون الطعام من يوسف، فباعهم في السنة الأولى بالنقود، حتى لم يبق بمصر درهم ولا دينار إلا أخذه منهم، وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر، حتى لم يبق بمصر في أيدي الناس منهما شيء، وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي والأنعام، حتى لم يبق دابة ولا ماشية إلا احتوى عليها، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والجواري، حتى لم يبق بأيدي الناس عبد ولا أمة، وباعهم في السنة الخامسة بالضياع والعقار، حتى أتى عليها كلها، وباعهم في السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم، وباعهم في السنة السابعة برقابهم، حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا ملكه، فصاروا جميعاً عبيداً ليوسف عليه السلام، فقال أهل مصر: ما رأينا كاليوم ملكاً أجل ولا أعظم من يوسف، فقال يوسف للملك: كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني، فما ترى في هؤلاء؟ قال الملك: الرأي رأيك ونحن لك تبع، قال: فإني أشهد الله وأشهدك، أني قد أعتقتهم عن آخرهم، ورددت عليهم أملاكهم، ولم يزل يوسف يدعو الملك إلى الإسلام ويتلطف به، حتى أسلم هو وكثير من الناس، ومات في حياة يوسف، وأما العزيز فلم يثبت إسلامه. قوله: (ومات بعد) أي مات العزيز بعد عزله. قوله: (فزوجه امرأته) أي بعد أن ذهب مالها، وعمي بصرها من بكاءها على يوسف، فصارت تتكفف الناس، وكان يوسف يركب في كل أسبوع في موكب زهاء مائة الف من عظماء قومه، فقيل لها: لو تعرضت له لعله يسعفك بشيء، فلما ركب في موكبه، قامت فنادت بأعلى صوتها: سبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيتهم، وجعل العبيد ملوكاً بطاعتهم، فقال يوسف: ما هذه؟ فقدمت إليه فعرفها، فرق لها وبكى بكاءً شديداً ثم دعاها للزواج، وأمر بها، فهيئت ثم زفت إليه، فقام يوسف يصلي ويدعو الله وقامت وراءه، فسأل الله تعالى أن يعيد لها شبابها وجمالها وبصرها، فرد الله عليها ذلك، حتى عادت أحسن ما كانت يوم راودته، إكراماً له عليه السلام لما عف عن محارم الله، فأصابها فإذا هي عذراء فعاشا في أرغد عيش. روي أن الله ألقى في قلب يوسف محبتها أضعاف ما كان في قلبها، فقال لها: ما شأنك لا تحبيني كما كنت أول مرة؟ فقالت: لما ذقت محبة الله، شغلني ذلك عن كل شيء. قوله: (ولدين) أي وبنتاً. قوله: (ودانت له الرقاب) أي خضعت له الناس. قوله: ﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ ﴾ أي نخص بنعمتنا من أردنا. قوله: ﴿ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ أي بل نضاعفه لهم. قوله: ﴿ وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ ﴾ اللام موطئة لقسم محذوف. قوله: ﴿ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي اتصفوا بالإيمان، قوله: ﴿ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ أي يمتثلون الأوامر ويجتنبون النواهي. قوله: (ودخلت سنو القحط) إلخ، قدر ذلك إشارة إلى أن قوله: ﴿ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ ﴾ مرتب على محذوف، أي سبب مجيئهم، أنه لما فرغت سنو الخصب، وأتت سنو القحط والجدب، واحتاجت الناس للطعام، فبلغ يعقوب أن بمصر ملكاً يبيع الطعام للمحتاجين، فبعثهم ليبتاعوا منه.