قوله: ﴿ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ ﴾ إلخ، سببب هذه المقالة، أنه لما خرج الصاع من رحل بنيامين، افتضح الإخوة ونكسوا رؤوسهم، فقالوا تبرئة لساحتهم ﴿ إِن يَسْرِقْ ﴾ الخ، وأتوا بإن المفيدة للشك، لأنه ليس عندهم تحقق سرقته، بمجرد إخراج الصاع من رحله، وبالمضارع لحكاية الحال الماضية. قوله: (وكان سرق لأبي أمه صنماً) إلخ، هذا أحد أقوال في السرقة التي نسبوها له، وقيل جاءه سائل يوماً فأخذ بيضة من البيت فناولها للسائل، وقيل أخذ دجاجة من الطير التي كانت في بيت يعقوب فأعطاها سائلاً، وقيل كان يخبىء الطعام من المائدة للفقراء، وقيل لم يسرق أصلاً لا ظاهراً ولا باطناً، وإنما كانت تهمة فقط، وذلك أن عمته حصنته بعد موت أمه، فأحبته حباً شديداً، فلما ترعرع وقعت محبة يعقوب عليه فأحبه، فقال لأخته: يا أختاه سلمي إلي يوسف، فوالله ما أقدر أن يغيب عني ساعة واحدة، فقالت: لا أعطيكه، فقال: والله ما أنا بتاركه عندك، فقالت: دعه عندي أياماً أنظر إليه، لعل ذلك يسليني عنه، ففعل ذلك، فعمدت إلى منطقة كانت لإسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكبر، وكانت أكبر أولاد إسحاق، وكانت عندها، فشدت المنطقة على وسط يوسف تحت ثيابه وهو صغير ثم قالت: لقد فقدت منطقة إسحاق، ففتشوا أهل البيت فوجدوها مع يوسف، فقال يعقوب: إن كان فعل ذلك فهو سلم لك فأمسكته عندها حتى ماتت. قوله: (لئلا يعبده) أي يدوم على عبادته. قوله: (والضمير للكلمة) إلخ. أي فهو عائد على متأخر لفظاً ورتبة، وحينئذ يكون في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير قال أنتم شر مكاناً وأسرها في نفسه، وهذا أحد قولين، وقيل إنه عائد على قوله: ﴿ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ﴾.
قوله: ﴿ فَأَسَرَّهَا ﴾ لم يرد لها جواباً. قوله: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾ أي منزلة، والمعنى أن ما ظهرتم به شر مما يظهر به يوسف وأخوه، فإنهما اتهما بالسرقة ظاهراً، وأنتم سرقتم يوسف من أبيه وفعلتم به ما فعلتم. قوله: (لسرقتكم أخاكم من أبيكم) أي وهو يوسف قوله: (عالم) أشار بذلك إلى أن اسم التفضيل ليس على بابه، إذ لا مشاركة بين الحادث والقديم. قوله: ﴿ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ﴾ إلخ سبب هذه المقالة أنه لما استخرج الصاع من رحل بنيامين، غضب روبيل لذلك، وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا، وكان روبيل إذا غضب لم يقم لغضبه شيء، وكان إذا صاح ألقت كل حامل حملها إذا سمعت صوته، وكان مع ذلك، إذا مسه أحد من ولد يعقوب يسكن غضبه، وكان أقوى الإخوة وأشدهم، وقيل كان هذا صفة شمعون بن يعقوب، فقال لإخوته: كم عدد الأسواق بمصر؟ قالوا: عشرة، قال: اكفوني أنتم الأسواق، وأنا أكفيكم الملك، أو اكفوني أنتم الملك، وأنا أكفيكم الأسواق، فدخلوا على يوسف فقال روبيل: أيها الملك لتردن علينا أخانا، أو لأصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا وضعت حملها، وقامت كل شعرة في جسد روبيل حتى خرجت من ثيابه، فقال يوسف لابن صغير له: قم إلى جنب هذا فمسه أو خذه بيده، فأتى له فلما مسه سكن غضبه، فقال لإخوته: من مسني منكم؟ فقالوا: لم يصبك منا أحد، فقال روبيل إن هذا بذر من بذر يعقوب، فغضب ثانياً، فقالم يوسف إليه فوكزه برجله، وأخذ يداً من يده فوقع على الأرض، وقال لهم: أنتم يا معشر العبرانيين، تزعمون أن لا أحد أشد منكم، فلما رأوا ما نزل بهم، ورأوا أن لا سبيل إلى الخلاص، خضعوا وذلوا، و ﴿ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ كَبِيراً ﴾ أي في السن أو القدر، لأنه نبي من أولاد الأنبياء. قوله: (استعبده) أي استرقه. قوله: ﴿ مَكَانَهُ ﴾ منصوب على الظرفية أو ضمن خذ معنى اجعل، فمكانه مفعول ثان. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ أي في أفعالك، وإلينا في توفية الكيل وحسن الضيافة وغير ذلك. قوله: ﴿ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ ﴾ أي في أخذ أحدكم مكانه.