قوله: ﴿ قَالَ ﴾ (لهم) أي جواباً لقولهم. قوله: ﴿ أَشْكُو بَثِّي ﴾ البث تفريق الحزن واظهاره، لأن الإنسان إذا ستر الحزن وكتمه كان هماً، وإذا ذكره لغيره كان بثاً، فالبث أشد الحزن وهذه المقالة قالها لجبريل عليه السلام، لما ورد أنه كان ليعقوب شخص مواخ له، فقال له ذات يوم: يا يعقوب ما الذي أذهب بصرك، وما الذي قوس ظهرك، قال: أما الذي أذهب بصري، فالبكاء على يوسف، وأما الذي قوس ظهري، فالحزن على بنيامين، فأتاه جبريل فقال له: يا يعقوب، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أما تستحي أن تشكو إلى غيري؟ فقال: ﴿ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ ﴾ فقال جبريل: الله أعلم بما تشكو، وإنما عوتب يعقوب بهذا، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، لأن العتاب على قدر المرتبة. قوله: ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ أي من رحمته وإحسانه قوله: (وهو حي) أي لما روي أن ملك الموت زار يعقوب، فقال له يعقوب: أيها الملك، الطيب ريحه، الحسن صورته، الكريم على ربه، هل قبضت روح ابني يوسف؟ قال: لا، فطابت نفس يعقوب وطمع في رؤيته. قوله: ﴿ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ ﴾ إلخ، سبب تلك المقالة، أن أولاده لما أخبروه بسيرة ملك مصر، وكمال حاله في جميع أقواله وأفعاله، أحست نفس يعقوب، وطمع أن يكون هو يوسف، فعند ذلك قال: ﴿ يٰبَنِيَّ ﴾ إلخ. قوله: ﴿ فَتَحَسَّسُواْ ﴾ هو بالحاء المهملة، طلب الخير بالحاسة والتجسس بمعناه، روي أن يعقوب حين أمر أولاده أن يذهبوا ليأتوا بخبر يوسف وأخيه، كتب لهم كتاباً إلى يوسف، لما حبس عنده بنيامين، من يعقوب اسرائيل الله، ابن اسحاق ذبيح الله، ابن ابراهيم خليل الله، إلى ملك مصر، أما بعد، فإنا أهل بيت وكل بنا البلاء، أما جدي ابراهيم، فشدت يداه ورجلاه وألقي في النار، فصبر لأمر الله، وأما عمي اسماعيل فابتلي بالغربة في صغره، فصبر لأمر الله، وأما أبي اسحاق، فابتلي بالذبح ووضع السكين على قفاه، ففداه الله، وأما أنا فكان لي ابن، وكان أحب أولادي إلي، فذهب به إخوته إلى البرية، ثم أتوني بقميصه ملطخاً بالدم وقالوا: قد أكله الذئب فذهبت عيناي، ثم كان لي ابن آخر، وكان أخاه من أمه، فكنت أتسلى به، وأنك حبسته وزعمت أنه سرق، وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقاً، فإن رددته إلي، وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك، فلما قرأ يوسف كتاب أبيه، اشتد بكاؤه وقل صبره، وأظهر نفسه لإخوته. قوله: ﴿ وَأَخِيهِ ﴾ لم يقل وأخويه لأنه كان يعلم أن الثالث مقيم بمصر، فلم يخف عليه حاله. قوله: (اطلبوا خبرهما) أي بالجلسة، كما أن التجسس طلب الخبر بالحاسة أيضاً، فهما بمعنى واحد، ولذا قرىء هنا بالجيم شذوذاً. قوله: ﴿ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ﴾ بالفتح مصدر بمعنى الرحمة، وهو في الأصل استراحة القلب من غمه، والمعنى لا تقنطوا من راحة تأتيكم من الله. قوله: (فانطلقوا نحو مصر) قدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ ﴾ مرتب على محذوف. قوله: (مدفوعة) أي مردودة. قوله: (وكانت دراهم زيوفاً) أي معيبة. قوله: (أو غيرها) أو لتنويع الخلاف، فقيل كانت نعالاً، وقيل صوفاً. قوله: ﴿ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ ﴾ أي أعطنا ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد، فإنا نريد أن تقيم لنا الناقص مقام الزائد. قوله: (بالمسامحة) وقيل برد أخينا بنيامين. إن قلت: إن ما فعلوه خلاف ما أمرهم به أبوهم، من التحسس من يوسف وأخيه، أجيب: بأن أبواب التحسس كثيرة وهذا منها، لأن الاعتراف بالعجز، وضيق اليد وشدة الحاجة، مما يرقق القلب، فإن كان يوسف فسيظهر لهم حاله، لحصول الرقة والعطف منه لهم، وإن كان غيره فلا يرق ولا يعطف. قوله: (ورفع الحجاب) إلخ، قيل هو اللثام الذي كان يتلثم به، وقيل هو الستر الذي كان يكلمهم من خلفه، وقيل هو تاج الملك الذي كان يضعه على رأسه، وكان له في قرنه علامة تشبه الشامة، وكان ليعقوب مثلها، ولسارة مثلها، فعرفوه بها.