قوله: ﴿ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ معطوف على لفظ الجلالة وقوله: (من القرآن) بيان لما. قوله: (من الصحف العشر) قال تعالى:﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ﴾[الأعلى: ١٨-١٩].
قوله: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ الخ إن قلت إن إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط لم ينزل عليهم كتاب، أجيب بأنه أوحى إليهم بصحف إبراهيم فلم يكن مغايراً لما نزل الله على إبراهيم. قوله: (أولاده) أي أولاد يعقوب وهم أسباط بالنسبة لإسحاق وإبراهيم. وأولادهم أسباط للجميع، ويؤخذ من الآية أن الأسباط أنبياء وهو المعتمد كما ذكره ابن حجر في شرحه على الهمزية. إن قلت حيث كانوا أنبياء فهم معصومون من الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها فكيف ذلك مع ما يأتي في سورة يوسف من رميه في الجب وإيتانهم على قميصه بدم كذب وغير ذلك من الأمور المنافية للنبوة. فأجيب بأنهم غير مشرعين بل هم أنبياء فقط، فلا يلزمهم إجراء فعلهم على مقتضى الظاهر بل على سر القدر، فالمدار على خلوصهم في الباطن على حد ما قيل في أفعال الخضر مع موسى، وقد شهد الله له بأنه ما فعله عن أمره فيكون ما جرى من الأسباط في حق يوسف كما جرى من الخضر أو أولى، وسيأتي بسط ذلك في سورة يوسف إن شاء الله تعالى. قوله: ﴿ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ ﴾ عبر أولاً بأنزل وثانياً بأوتي تفنناً ودفعاً للثقل. قوله: ﴿ وَعِيسَىٰ ﴾ لم يكرر ما أوتي لأن مؤدي الأنجيل والتوراة واحد، وإنما التغاير في شيء يسير وهو تحليل بعض ما حرم. قوله: ﴿ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ ﴾ هذا من عطف العام على الخاص، إشارة إلى أنه يجب علينا الإيمان بجميع أنبياء الله وما أنزل عليهم. قوله: (كاليهود) أي فإنهم آمنوا بموسى وكفروا بمن عداه، وقوله والنصارى أي فإنهم آمنوا بعيسى وكفروا بمن عداه. قوله: (مثل زائدة) أي لأن المعنى على أصالتها فاسد لأنه يوهم أنهم مأمورون بالإيمان بمثل الله ومثل ما أنزل على محمد إلخ وهذا باطل. قوله: (خلاف) أي مخالفة الدين الحق ويطلق على الضلال وعلى العداوة، ويصح إرادة كل منهما لأن تولى عن الإيمان فهو في ضلال ومعاداة الله، قوله: (شقاقهم) أي ضرر ضلالهم ومخالفتهم ومعاداتهم. قوله: (بقتل قريظة) أي فقد قتل منهم في يوم واحد سبعمائة من صناديدهم ورموا في الخندق. قوله: (وضرب الجزية عليهم) أي اليهود والنصارى. قوله: ﴿ صِبْغَةَ ٱللَّهِ ﴾ الصبغ بالكسر أثر الصبغ بالفتح الذي هو المصدر. وسبب نزول الآية أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمى ماء المعمودية، ويقولون حينئذ: قد صار نصرانياً حقاً، فنزلت رداً عليهم كأن الله يقول لهم: صبغتي لعبيدي لا أحسن منها صبغة. قوله: (أي صبغنا) من باب نفع وضرب ونصر. قوله: (كالصبغ في الثوب) أشار بذلك إلى أن في الكلام استعارة تصريحية أصلية، حيث شبه آثار الإيمان القائم بالشخص بالصبغ القائم بالثوب بجامع المكث والظهور في كل، واستعير اسم المشبه به للمشبه، وفي هذه الآية بشرى للمؤمنين عظيمة، وهي أن الإيمان في القلب كالصبغ المتقن في الثوب، فكما لا يزول الصبغ من الثوب كذلك الإيمان لا يزول من القلب لأن صبغة الله لا أحسن منها، ولذا قيل إن موت المؤمن على غير الإيمان نادر كالكبريت الأحمر، والمراد من الصبغة الأنوار الكائنة في القلب والأعضاء لأن الإيمان لا يكمل إلا إذا صبغ به كصبغة الثوب، قال تعالى:﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ﴾[التوبة: ٢٩].
وقال تعالى:﴿ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾[التحريم: ٨] في الحديث:" لو كشف عن نور المؤمن العاصي لأضاء ما بين المشرق والمغرب وإنما انحجب عنه ليتم وعد الله ووعيده ". قوله: (قال اليهود) شروع في ذكر سبب نزول الآية. قوله: (الأول) أي السابق على الأنجيل والقرآن. قوله: (من العرب) أي بل كانت من بني إسرائيل.