قدر ذلك إشارة إلى أن قوله: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ ﴾ مرتب على محذوف. قوله: ﴿ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً ﴾ يحتمل أن يكون ذلك السجود خارج البلد عند أول اللقاء، ويحتمل أنه بعد الدخول، وجلوس يوسف وأبويه على السرير. قوله: (سجود انحناء) أي على عادة تحية الملوك، وهذا أحد قولين، وقيل المراد بالسجود حقيقته، وهو وضع الجبهة على الأرض، ولا يشكل على هذا أن حقيقة السجود لا تكون إلا الله، لأنه يقال: إن يوسف جعل كالقبلة لذلك السجود، وما قيل في سجود الملائكة لآدم يقال هنا. إن قلت: كيف رضي يوسف بسجود أبيه له، مع كونه أكبر منه، وكان الواجب مراعاة الأدب؟ أجيب: بأن هذا بأمر من الله تحقيقاً لرؤيا يوسف، لأن رؤيا الأنبياء وحي. قوله: ﴿ هَـٰذَا ﴾ أي السجود. قوله: ﴿ حَقّاً ﴾ أي صدقاً حيث وجدت، وتحققت في الخارج على طبق ما في النوم. قوله: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ ﴾ أي أنعم علي. قوله: (لئلا يخجل إخوته) أي ولأن نعمة الله عليه في الخروج من السجن، كان سبباً لوصوله إلى الملك، بخلاف إخراجه من الجب، فإنه أعقبها الرق والتهمة والسجن، وليس في ذلك إدخال سرور على أبويه. قوله: ﴿ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ ﴾ عطف على أخرجني، والمعنى وقد أنعم علي وقت إخراجي من السجن، ووقت مجيئكم من البدو. قوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ ﴾ ضمنه معنى مدبر فعداه باللام، واللطيف معناه الرفيق المحسن. قوله: (وكانت مدة فراقه ثماني عشرة) إلخ، حاصله أنه اختلف في مدة فراق يوسف لأبيه، فذكر المفسر ثلاثة أقوال، وقيل اثنان وعشرون، وقيل ست وثلاثون، وقيل خمس وثلاثون، وقيل سبعون، ولا يعلم الحقيقة إلا الله، واتفقوا على أن عمر يوسف مائة وعشرون سنة. قوله: (فوصى يوسف أن يحمله) إلخ، أي وقد فعل، فجعله في تابوت من ساج حتى قدم به الشام، فوافق ذلك موت عيصو أخي يعقوب، وكانا قد ولدا في بطن واحد، فدفنا في قبر واحد. قوله: (ولما تم أمره) أي في ملكه. قوله: (وعلم أنه) أي الملك. قوله: (إلى الملك الدائم) أي وهو نعيم الآخرة. قوله: (فقال) أي طلب الملك الدائم بوفاته على الإسلام، وما قبل ذلك فهو ثناء على الله، قدم على الدعاء لمراعاة الأدب، إشارة إلى أن الإنسان ينبغي له إذا أراد أن يدعو، يقدم الثناء على الله اعترافاً بالنعم، ثم بعد ذلك يسأل مطلوبه. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمُلْكِ ﴾ أي بعضه وهو ملك مصر، إذ لم يملك جميع الأقطار إلا أربعة، اثنان مسلمان: اسكندر ذو القرنين وسليمان بن داود، واثنان كافران: بختنصر وشداد بن عاد. قوله: ﴿ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ يصح أن يكون نعتاً لرب، أو بدلاً أو عطف بيان أو نداء ثانياً. قوله: ﴿ تَوَفَّنِى مُسْلِماً ﴾ إن قلت: كيف يطلب الموت مع أن تمنيه لا يجوز؟ أجيب: بأنه علم بالوحي قرب أجله، فطلب ما يكون عند الموت، وهو اللحوق بالصالحين، فمحط طلب الموت على ما بعده. إن قلت: إن كل نبي مقطوع بموته على الإسلام، فلم طلب ذلك؟ أجيب: بأن الله تجلى على يوسف بخوف الإجلال فطلب ذلك، لأن المعصوم عند ذلك ينسى العصمة. قوله: (من آبائي) أي ابراهيم واسحاق ويعقوب، فالمراد لحوقاً خاصاً الذي هو أعلى المراتب. قوله: (مات) أي وقد توراث الفراعنة من العمالقة بعد يوسف، ولم يزل بنو إسرائيل تحت أيديهم على بقايا من دين يوسف وآبائه، إلى أن بعث الله موسى عليه السلام، وأغرق فرعون وقومه، فقطع الله الفراعنة منها، وأورثها الله بني إسرائيل. قوله: (وتشاح المصريون في قبره) أي حتى هموا أن يقتتلوا، ثم اصطلحوا على أن يدفنوه في أعلى النيل من جهة الصعيد، لتعم بركته الجميع، فجعلوه في صندوق من مرمر، وهو نوع من أجود الرخام، ودفنوه في وسط النيل وربطوه بسلسلة، فأخصب الجانبان، فبقي أربعمائة سنة، فلما أمر الله موسى بالخروج من مصر، أمره بأخذ يوسف معه ودفنه في الأرض المقدسة بقرب آبائه، فلم يهتد إلى مكانه، فدلته عليه عجوز، قيل إنها من أولاد يعقوب، وشرطت عليه أن تكون معه في الجنة، فضمن لها ذلك، وشرطت عليه أيضاً أن يدعو لها أن ترجع شابة كلما هرمت فدعا لها، فكانت كلما وصلت في السن خمسين سنة، رجعت بنت ثلاثين، فعاشت ألفاً وستمائة سنة، فحمله موسى ودفنه بالأرض المقدسة، فهو الآن هناك. وأما إخوته فلم يثبت في محل دفنهم شيء، وما قيل من أنهم مدفونون في المحل المعروف بالقرافة الكبرى، فهو بالظن فقط. قوله: (المذكور) أي من أمر يوسف وقصته.